Deprecated: Function create_function() is deprecated in /home/www/drfmim.com/wp-content/plugins/LayerSlider/wp/widgets.php on line 4

Deprecated: define(): Declaration of case-insensitive constants is deprecated in /home/www/drfmim.com/wp-content/plugins/export-plugins-and-templates/export-plugins-templates.php on line 11
التحديات التي تواجه الوسطية - د. فراس محمد

التحديات التي تواجه الوسطية

حضارة الإسلام حضارة تبنى على الوسطية بصفتها قيمة أساسية ومركزية، ومفهوم الوسطية من المفاهيم الرئيسة الممتدة في تراثنا الفكري والثقافي الإسلامي إلى جانب مفهوم الاعتدال، والملاحظ أن هذين المصطلحين ارتفع شأنهما وعلا في السنوات العشرين الأخيرة، ربما يعود ذلك إلى بروز نزعات التطرف والغلو عند بعض المسلمين وتسيد أصحابها على بعض المجتمعات في العالم الإسلامي وتمكنهم من طمس هوية منظومة الاعتدال والوسطية في تلك المجتمعات، يقابلهم تيار آخر اتسم بالتميع والانحلال وسيطر بدوره أيضاً على بعض المجتمعات وأثر فيها سلباً، فأمسينا بين مُفرِطٍ ومُفَرِّط.

والمشروع الحضاري الإسلامي يتمثل بفعل النهضة والإصلاح والتغيير نحو الأفضل داخل المجتمع الإسلامي المعتدل الذي يتبنى ثقافة الوسط ويحترمها دون إفراط أو تفريط، وكل مسلم حق في الأمة ينتمي للحضارة الإسلامية يتبنى مشروعها الإصلاحي الحضاري الوسطي، وعليه فالإسلامي هو من يتبنى خيار الوسطية ويحوله إلى مشروع للنهضة والإصلاح والتغيير.

إلا أن الوسطية في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة تواجه مجموعة من التحديات، يرتبط بعضها بظروف العصر المعقدة والمختلفة كلياً عن عصر النهضة الإسلامية إذ لا تنفع الحلول التراثية لما يعترض الوسطية من تهديدات ومشكلات فلا بد من الإبداع والخروج عن التقليد في كثير من المجالات، كما يرتبط البعض الآخر بواقع المسلمين الغارق بألوان التطرف والغلو والتميع والانحلال، ويمكن أن نجمل التحديات الواقعية التي تواجه الوسطية بعدة أمور:

أولاً: التحديات الخارجية:

فالعالم الإسلامي يواجه ومنذ قرون حرباً شعواء، والمسلمون اليوم يعانون من إذلال وقهر، ودماؤهم باتت أرخص الدماء، وأصبح المجرم هو الخصم والحكم، فالمجتمع الإسلامي يواجه مشكلة حقيقية دفعت بعض أبناءه إلى الخروج عن حد الوسطية والاعتدال، لاسيما من الذين هم في مرحلة الشباب التي يصعب على أصحابها الصبر والتأني والنظر إلى مآل الأمور.

ثانياً: التحديات الداخلية:

1ـ الفهم الخاطئ للإسلام:

كثير من الناس تعاملوا مع قيم الإسلام وحقائقه وفقاً لثقافتهم المحدودة، وانجرافاً وراء نزعاتهم الفكرية المستوحاة من خليط بين الماضي والحاضر، والبادية والحضر، فتشكلت مفاهيم جديدة خاطئة طرحت في المجتمع من قبل أصحابها، الذين جوّزوا لأنفسهم استباحة الدماء والأموال من أجل الدفاع عن فروع وشكليات تتصل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما تجرأ هؤلاء على تحليل النصوص تحليلاً سطحياً واستخلصوا النتائج دون الرجوع إلى أهل الاختصاص  فغاب المنهج الحق وعولجت كثير من القضايا بعيداً عن الوسطية والاعتدال.

2ـ فساد العقيدة:

فتن كثير من المسلمين في عقائدهم وتركوا دينهم واتجه بعضهم للإلحاد والبعض الآخر يحاكي في منهجه الديانات الأخرى، ولا شك أن ذلك خروج عن حد الوسطية والاعتدال.

3ـ إشكالية العمل السياسي:

فالمجتمع منقسم على نفسه في هذا المجال على طائفتين إحداها ترى أن الإسلام خالٍ من أي محتوى سياسي واتجهت للعلمانية، والثانية ترى أن الإسلام شامل لكل جوانب الحياة، فاندلع صراع بين أنصار العلمانية وأنصار شمولية الإسلام، وقد نال هذا الانقسام من الوسطية والاعتدال.

4ـ الانفجار العلمي والمعرفي:

إن التطور العلمي والمعرفي العالمي وتداعياته الفكرية، أظهر قضايا جديدة لم يألفها العقل الإسلامي، منها قضايا تمس القرآن والسنة، كاستخدام بعض المناهج الحديثة في الدراسات القرآنية التي تخلخل بعض ثوابت علومه الراسخة منذ قرون، وقد قابل ذلك بعض الجهود الفردية التي حاولت إعادة المسلمين إلى مقتضى الوسطية، لكن في بعض من الحالات فقدت هذه الجهود معنى الوسطية وانحرفت عنها، ومثال ذلك وردا على القراءات الحديثة للقرآن انتعش التقليد وهيمنت المحافظة على قطاع عريض من دعاة الوسطية، وتعطل الاجتهاد، ورداً على إرجاء العامة العملي ظهرت تيارات التكفير والخوارج الجدد، وبالتالي فإن معظم ردود الفعل على التحديات التي واجهت الإسلام والتي كانت تنشد الوسطية والاعتدال أصبحت في الطرف الآخر وهي اليوم بحاجة إلى تعديل لتعود إلى المنهج الوسط.

هذه التحديات تحديات حقيقية وليست بالهينة… إلا أن مواجهتها ليست بالمستحيلة إذا وجد من يتصدى لها.

بقلم: د. فراس الزوبعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *