في العهد العثماني أعلنت الدولة عن وظيفة شاغرة بالصحف وكتبوا الشروط الواجب توافرها بالموظف، والامتحان الواجب اجتيازه للحصول على الوظيفة، تقدم لهذه الوظيفة المئات من البشوات والبكوات، ولا تتعجبوا من مستوى وأهمية الشخصيات فالوظيفة كانت في «المابين الهمايوني» أي داخل قصر السلطان العثماني نفسه بالقسم الواقع بين جناح الحريم والدوائر الخارجية.
في ذلك الوقت كان في إسطنبول باشا كبير بالسن لديه خادم ذكي، الخادم لاحظ عدم تقدم الباشا للوظيفة كما فعل الآخرون، فقال له: يا عم لم لا تتقدم لهذه الوظيفة لعلها تكون من نصيبك، فقال الباشا: لا يا ابني فليأخذها غيري.. أنا مرتاح ولا أبحث عن هكذا وظيفة، لكن الخادم بقي يتوسل ويلح حتى اقتنع الباشا الذي ذهب ووضع طلباً مع الذين وضعوا طلباتهم.
في يوم الامتحان وزعوا أوراق الأسئلة وبدأ المتقدمون بالإجابة، الباشا قرأ الأسئلة لكنه لم يعرها اهتمامه ولم يشغل نفسه بالتفكير في محتواها، وأخذ يكتب الإجابة الآتية: «اليوم مررت بالسوق الفلاني، وحقيقة رأيت «الطماطة العال»، وذاك الباذنجان الفاخر، واللحم سعره مناسب، ورأيت الفواكه اللذيذة، والبامية المفتخرة، وأعجبني القصر الفلاني، حقيقة «إسطنبول» قطعة من أوروبا».
وبهذا الكلام الفارغ سلم الورقة وخرج من الامتحان سابقاً غيره، وفي طريق العودة الخادم سأله: يا عم كيف كانت إجابتك، فشرح له الباشا، فقال يا عم لا علاقة لأجوبتك بالأسئلة، فقال له الباشا: امشِ يا ولدي ولا تفكر فلن تكون هذه الوظيفة من نصيب غيري، وفعلاً أعلنت النتائج بالصحف وكانت النتيجة أن الكل رسب في الاختبار والباشا صاحبنا نجح بدرجة ممتازة! عندها أرسل الباشا على الخادم وقال له: ها يا بني؟ ألم أقل لك إنها لي ولن تكون لغيري! فقال الخادم والله يا عمي إني متعجب كيف أصبحت الوظيفة لك بينما إجابتك لا علاقة لها بأسئلتهم؟ فقال له يا ابني هؤلاء يريدون خروفاً، ولا يريدون من يعرف كل صغيرة وكبيرة، ولذلك عملت نفسي خروفاً ونجحت، فالذكاء لا ينفع في كل وقت.
للأسف من يطلع على نوعية كثير من المرشحين للانتخابات البرلمانية في العراق من الذين قدمتهم الأحزاب التي دمرت العراق خلال الـ15 سنة الماضية، يدرك جيداً أن البلد أصبح بيئة طاردة للكفاءات وفيها يصبح ذكاء الإنسان نقمة عليه خصوصاً إذا أظهر ذكاءه أمام الأغبياء والجهلة واللصوص والفاسدين المسيطرين على الأوضاع، لذلك، انقسم الناس هناك إلى أقسام ثلاثة قسم تصرف مثل صاحبنا الباشا وأصبح كما الخروف ليتمكن من التعامل مع العصابات، وقسم جلس في بيته وأغلق بابه عليه، وقسم ثالث ترك البلد وهجرها فهو لا يستطيع السكوت ولا يمكنه أن يكون بليداً متظاهراً بالبلاهة والغباء.
بقلم: د. فراس الزوبعي