د. فراس محمد
جحيش بن مطير، فلاح فقير من أهل اليوسفية، بالعشرينيات أو الثلانينيات كان عنده ثور يستخدمه بالحراثة، لما كان يشتغل فلاح عند الملاچ (صاحب الأرض) اللي طرده بيوم من الأيام وبقى جحيش بدون عمل، ضاقت عليه الدنيا وما عرفت شلون يدبر وضعه ويكسب رزقه ورزق أولاده، آخر شي قرر أنه (ينحدر) لبغداد ويبيع الثور الوحيد اللي عنده ويمشي نفسه بفلوسه، طلع يمشي وهو گايد الثور من اليوسفية لبغداد، لما وصل جسر نهر الخر اللي موقعه حاليا بالحارثية وسابقا كان خارج بغداد، وعبر على الجسر، شافوه ثلاثة من الشلاتية اللي شغلتهم يترصدون اللي يدخل بغداد ويحتالون عليه، فقرروا ياخذون الثور منه وتفرقوا على طول الطريق من الجسر إلى محطة الطيران، لما وصل أول واحد منهم گال لجحيش:
ـ الگوة يا ولد
ـ الله يگويك..
ـ تبيع هذا الحصان؟
ـ يا حصان هذا؟
ـ هذا الحصان اللي گايده بيدك؟
ـ عمي أنت تخبلت؟! أي حصان.. هذا ثور شلون يصير حصان؟ انت گاعد تتقشمر ويايه؟
ـ ولك هذا الحصان صگلاوي جدران، بكيفك تگول عليه ثور؟ وتركه ومشى
وصل جحيش بعد مسافة للثاني اللي سلم عليه مثل الأول:
ـ الگوة يا ولد
ـ الله يگويك..
ـ بيش تبيع هذا الحصان؟
ـ يابه يا حصان؟ انتم جاعدين تتقشمرون ويه الأوادم؟ هذا ثور ابن ثور!
ـ عجايب.. ولك انت مخبل.. مجنون؟! هذا صگلاوي جدران.
ـ روح أخوي روح شوف شغلك، هذا ثوري وآنا اللي مربيه.
ـ بكيفك انت ما عاجبك تبيع.
كمل جحيش مسيره ووصل للثالث اللي سلم عليه بطريقة تختلف عن جماعته وأضبط:
ـ الگوة يا ولد.. إن شاء الله ما تعبت؟
ـ الله يگويك.. لا والله ما تعبت جيت من اليوسفية أريد أبيع هذا الثور.
ـ وين الثور؟
ـ هذا اللي تشوفه
ـ ولك الثور انت… شلون تسمي هالصگلاوي جدران ثور؟! ولك انت لو تروح تموت أحسن لك.. هذا عندنا بالريسز (سباق الخيل) يسوى له خمسين دينار، وإذا ما تصدگ هذا السرج وهذا اللجام شده وأركب دنشوف الكشخة.
فكر جحيش المسكين وگال يعني قابل كلهم يكذبون وآني وحدي الصادق؟ إي بلكت الله يريد يرزقني وگلب هالثور حصان وآني ما أشوف، أخذ اللجام والسرج وركبها على الثور وأول ما حط رجله وركب هاج الثور وضرب جحيش ضربة انكسرت يده بسببها، أما الثلاثة فأخذوا الثور ومشوا، وبقى جحيش مكسورعلى الأرض وهو يگول:
سلط الله عليكم أهل بغداد.. أگول لهم يابه والله ثوري وآني أعرفه.. يگولون لي لا هذا حصان.
لا تتصورون إن اللي صار بجحيش بن مطير ما يصير بينا، لإنه جاهل وبسيط واحنا متعلمين، لا عيني لا، الشلاتية تعلموا وتطوروا وتغيرت أساليبهم وصاروا يلعبون على المجموع وبالجملة، واللي صار بجحيش يصير بينا هالأيام بشكل يومي ومستمر، وأضبط من اللي صار بسالفة الثور، شلاتية الإعلام والسياسة والشعر والكتابة اليوم، يستلمون شخصيات سياسية وإعلامية ودينية وحتى دول بكاملها، ويحولوها من كديش إلى أصيل، ويسوقوها علينا واحنا نشتري ونقدم الولاء والعقل.
د. فراس محمد