قبل أن يخلع علي لقب باشا

الملا عبود الكرخي الله يرحمه كان مخصص يوم الجمعة من كل أسبوع للتنقل بين مجالس الوزراء والعلماء والأدباء من اللي يحبهم ويحب مجالسهم، وبيوم زار المرحوم ياسين الهاشمي ببيته أيام ما كان رئيس وزراء وشاف على الباب ثلاثة من شيوخ العشاير يريدون يدخلون ويتهامسون بينهم، يگول الكرخي تظاهرت إني ما أسمعهم لكني كنت أنصت لكلامهم، الأول گال للثاني أنت أول ما تدخل سلم وعرف الباشا باسمك ولا تجيب طاري النيابة (يقصد الترشح لمجلس النواب) هو يصير عنده معلوم، فالثاني گال له آنا (يستنخبوني) نايب لإن آنا طلعت (مثنوي) -يعني منتخب ثاني لإن الانتخاب كان على درجتين أيامها- بعدين واحد من الاثنين انتبه على الثالث وگال له ليش لابس عباتك الجربة وعندك عباه جديد؟ گال له مو بعدها عند الخياط وما لحگت البسها.
لما الكرخي شاف السالفة هالشكل انتبه للجماعة وگال لهم: ما تگولون لي شنو مقصدكم من زيارة الباشا ببيته، زيارة لو تجارة؟ -يقصد بالتجارة محاولة الحصول على كرسي بمجلس النواب- فواحد من الجماعة گال له لا هاي ولا هاي .. احنا جايين نتعرف على الباشا.. المهم دخلوا مجلس ياسين الهاشمي ببيته وكان أمين خالص (مفتش بوزارة الداخلية) گاعد بصدر المجلس بجانب الهاشمي والكرخي راح گعد قريب منهم، ودخلوا أصحابنا الثلاثة وتبين أنهم ما يعرفون شكل الهاشمي، وتقدم واحد منهم وراح على أمين خالص مد يده وگال له شلون كيفكم باشا.. أدام الله وجودكم باشا! ولإن أمين خالص كان دمث الأخلاق ما حب يفشله ورد السلام وأشر على الهاشمي وگال له آني مو الباشا ذاك الباشا، ارتبك صاحبنا واشتبهت القضية عليه وراح على عبد الحميد الدبوني (قايمقام خانقين) وكان قريب من الباشا وصافحه وگال له حياك الله باشا .. وجعلك ذخرا للعرب والعروبة، الدبوني گال له: متوهم مولانا الباشا على يمينك، ارتبك وراح لجهة اليمين وشاف الملا عبود الكرخي بوجهه وكان لابس نفس السدارة اللي لابسها ياسين الهاشمي، ومد يده حتى يصافحه، يگول الكرخي خفت لا يتكرم علي ويخلع علي لقب باشا، فگلت له شبيك مرتبك .. أكو واحد يجهل الباشا؟! وسحبته من يده مثل ما يسحبون الأعمى وسلمته بيد الباشا.
هذي النماذج الهزيلة من طلاب منصب عضو مجلس النواب نفسها اليوم موجودة وموجود أتعس منها مع فارق أنه في السابق يروح يتمسح برئيس الوزراء وغيره حتى يحصل دعم وفضايحهم هذي يطلع عليها كم واحد بالمجلس، أما اليوم وبعد انتشار وسائل الإعلام صارت هذه النماذج تطاردنا بتليفوناتنا من دون خجل ولا حياء، يرشحون نفسهم وكلهم ثقة بأهليتهم لهذا المنصب، وفي النهاية احنا اللي ندفع ثمن وصولهم.