«باريفان» كردية من منطقة عين العرب أو كوباني كما يسميها الأكراد، عمرها لا يتجاوز العشرين سنة، حملت السلاح لتقاتل مع رفيقاتها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في كوباني الواقعة داخل الأراضي السورية والمتاخمة للحدود مع تركيا، قبل أيام ظهرت على شاشات التلفزيون وهي تؤكد عزمها على مواجهة الموت، وفعلاً بعد أيام قليلة وقعت في الأسر فأطلقت على نفسها رصاصة مفضلة الانتحار على تسليم نفسها لمقاتلي «داعش» لتثبت بذلك حقيقة ما ادعت قبل أيام.
في المقابل تقاتل «داعش» بشراسة وقوة على هذا المحور وتجتاح قرى يوماً بعد آخر مسيطرة بذلك على أجزاء كبيرة من هذه المدينة، وليس ذلك بدون خسائر، فتقدمها على الأرض كلفها دماء كثيرة، وهنا يبرز سؤال مهم؛ لماذا تصر «داعش» على السيطرة على هذه المدينة وعندها جبهات أخرى يمكنها التقدم فيها بكلفة أقل من هذه الجبهة، ولماذا يستقتل الأكراد على البقاء في هذه المدينة؟ ولماذا لم يتحرك الأتراك بجيشهم نحوها مع أن سيطرة «داعش» عليها تجعلهم في مرمى نيرانها؟
كوباني تأتي أهميتها من موقعها الجغرافي وطبيعة سكانها، بالنسبة لـ «داعش» تعد السيطرة عليها أمراً استراتيجياً مهماً، فإذا أحكمت قبضتها على المدينة وأخضعتها لها تكون بذلك قد تمكنت من ربط المناطق التي سيطرت عليها سابقاً على الحدود السورية التركية والعراقية، بداية من كوباني وحتى اعزاز مروراً بالراعي، وبذلك تؤمن شريطاً حدودياً مع تركيا يبلغ طوله 136 كم، وهذا سيؤمن لها تواصلاً مريحاً مع مناطقها، فهي عقدة مواصلات للاتجاهات الأربعة وتدخلها في العمق السوري لصلتها بالرقة وحلب.
أما بالنسبة للأكراد فكوباني تعني لهم معركة حياة ووجود لأنها ثالث أكبر المدن الكردية بعد القامشلي وعفرين، تتألف من 384 قرية صغيرة يسكنها 460 ألف نسمة أغلبهم من أكراد سوريا، وتمثل هذه المدينة ثقل القوات الكردية ومعسكراتهم، والأهم من ذلك كله أن ضياع كوباني من أيديهم يعني ضياع إقامة دولة كردية في الوقت الحاضر، فهي تنتزع الآن من قلب الجغرافية الكردية، وهذا ما يفسر سبب استماتة الأكراد في سبيلها لدرجة أن فؤاد معصوم، الرئيس العراقي، نسي أنه رئيس العراق وبدأ الحديث بصفته كردياً مطالباً العالم بالدفاع عنها، وحتى الأكراد الأتراك توجهوا نحو الحدود مطالبين السلطات التركية السماح لهم بالدخول إلى الأراضي السورية للدفاع عنها، بل قبل هذه الأحداث عندما عمل الأكراد فيها على قتل وتهجير العرب السنة حتى لم يبق للعرب فيها عين، أما الأتراك فمع خطورة الموقف بالنسبة لهم إلا أن الموقف لا يستدعي أن يقدموا خسائر دون مقابل أو يتورطوا وحدهم في قتال «داعش» ما لم تنفذ طلباتهم بإقامة منطقة عازلة وتقدم بري مشترك، وحسابات الحدث داخلية وخارجية أيضاً، فهم كمن يسير في حقل الألغام.
قد يصبح في الأيام القادمة لتركيا جار جديد بحدود طولها 136 كم، ومن المفترض أن تشعر بالفزع منه لأنه سيؤثر بالتأكيد على الداخل التركي.
بقلم: د. فراس الزوبعي