أربعون جنيهاً هي ثمن فروة رأس أي إنسان من الهنود الحمر، وبعدها ارتفعت لتصبح 100 جنيه للرجل و50 جنيهاً للطفل أو المرأة، بعد ذلك بطانيات تؤخذ من مصحات لمرض الجدري فتلقى على تجمعات الهنود الحمر لتفتك بهم، بهذه الطريقة نشأت أمريكا الحديثة وتكونت، وعلى مر التاريخ الأمريكي انتهاكات حقوق الإنسان لم تفارق مؤسسات هذا البلد العسكرية والأمنية، فاليابان وفيتنام والعراق ودول كثيرة عاشت وتعيش ألم سلوكهم فيها.
بعد كل ذلك تعلق رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي «ديان فاينسيتاين» على تقرير الكونغرس حول ممارسات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA بحق المعتقلين المتهمين بالإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر، بقولها: إنها وصمة عار في تاريخ أمريكا»، ويبدو أنها لم تطلع على تاريخ أمريكا لأنها لو عرفته جيداً لما وصفت أفعال الـ CIA بهذا الوصف الذي يجعل من تاريخ أمريكا عار كله.
أما الأمم المتحدة فردة فعلها غريبة لأنها خرجت لأول مرة من دائرة القلق إلى دائرة المطالبة بمعاقبة المسؤولين الأمريكيين الكبار في إدارة بوش الذين خططوا وأجازوا ارتكاب جرائم خلال وسائل الاستجواب الوحشية التي مارستها وكالة الاستخبارات الأمريكية مع المشتبه بهم من تنظيم القاعدة في غوانتنامو، وكأنها المرة الأولى التي تنشر فضائح الـ CIA فلم يكن هناك فضيحة أبو غريب وسجن بوكا وغيرها. وكأنه لم يذكر أحد التقارير السابقة للجنة الدولية للصليب الأحمر الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، أن نسبة 70-90% من المعتقلين العراقيين لدى الأمريكان اعتقلوا بالخطأ وتعرضوا للإساءة.
الصندوق الأسود الذي فتحه تقرير الكونغرس، لن يترتب عليه شيء في المستقبل سوى تشكيل لجان لا تصل إلى شيء ولا يتأثر بها أحد، وقد بادرت وزارة العدل الأمريكية بالقول «إن التقرير لا يتضمن أدلة كافية لتوجيه اتهامات للمسؤولين الأمريكيين عن تعذيب المعتقلين». قد تحقق أمريكا بشكل جاد في قضية دهس كلب وتقتص من الجاني بعد تحقيق مهني، لكن إهانة المسلمين وقتلهم وتشريدهم قضايا لا تستحق الجدية في التعاطي معها، وما يحصل في أمريكا بين الكونغرس وباقي مؤسسات الدولة ليس أكثر من توزيع أدوار في مسرحية تعرض على العالم، وستحاول تحويل هذه الفضيحة إلى مكسب سياسي بادعائها أن تواجه تجاوزات مسؤوليها وتحاسبهم، وستعينها دول أخرى على تبييض هذه الصورة كما فعل نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليج عندما قال: «أشك أن التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش قادرة على مراجعتها أخطائها بشكل ناضج، لكن دولة ديمقراطية كالولايات المتحدة قامت بذلك»، فما المطلوب منا الآن هل نصفق للولايات المتحدة لأنها تراجع أخطاءها! أم نقول لها كيف أن معتقلاتها تحولت إلى مصانع لإنتاج التكفير؟ هذا ما سأذكره في المقال اللاحق.
بقلم: د. فراس الزوبعي