وأنا أطالع الأخبار عن مجلة شارلي إيبدو الفرنسية التي جعلت الحكومة الفرنسية من الهجوم عليها حدثاً عالمياً، وعندما مررت على خبر مبيعات المجلة الأخيرة، قفز إلى ذهني مباشرة ذلك المقطع من فيلم الرسالة الذي يظهر فيه أحد المشركين وهو يقول «آلهة مكة.. تجارة وعبادة».
هكذا وبكل بساطة تحولت المجلة المهددة بإشهار إفلاسها قبل الحدث إلى رمز يقف خلفه كثير ممن يبحثون عن فرصة لازدراء الدين الإسلامي والتهجم على مقدساته، وهكذا تحولت إلى مجلة عائداتها المالية بالملايين، فالمجلة لم يكن يتجاوز عدد مبيعاتها السابقة 35 ألف نسخة لكل عدد، طبعت 5 ملايين نسخة من العدد الذي تلا الهجمات لتواجه زيادة الطلب على المجلة، علماً أنه جاء بـ8 صفحات أي نصف عدد صفحات الأعداد السابقة، ونشرت المجلة بـ16 لغة موزعة على 20 دولة في العالم، هذا غير النسخ التي بيعت إلكترونياً وعلى الهواتف النقالة.
ليس ذلك فحسب بل أصبحت هناك منتجات أخرى غير المجلة تحمل كلمة شارلي زاد عددها عن 7000 مادة منها رسوم كاريكاتيرية وقبعات وحقائب وملابس كلها تعرض للبيع في مواقع إلكترونية، أما سعر المجلة على الإنترنت فقد وصل في المزادات عندما نفدت النسخ إلى 15 ألف دولار للنسخة الواحدة، فيما بلغ السعر الأساسي للمجلة 100-300 دولار، وارتفع بعد ذلك إلى 700 دولار.
وخلال كل ذلك ظهر آلاف الأشخاص الذي استثمروا الحدث للكسب السريع وجعلوا منه مادة تجارية فمنهم من طبع اسم المجلة على القمصان ومنهم من طبعها على الأكواب والحقائب وغير ذلك من السلع، حتى إن المعهد الوطني الفرنسي للملكية الفكرية رفض أكثر من خمسين طلباً لتسجيل علامات تجارية تحمل اسم شارلي من بينها علامة «أنا شارلي».
النهج الذي تتبعه فرنسا أو من يسمون بالمثقفين فيها في ازدراء الدين الإسلامي ومقدساته ليس حدثاً جديداً أو تصرفاً فردياً من مجلة، إنما هو حدث متكرر يعبر عن حقيقة نظرتهم للمسلمين، ولو عدنا إلى الوراء لوجدنا تكرار الأمر ففي العام 1890 ألف «ماركي دو بونيية» مسرحية ساخرة بعنوان «محمد» وبالفعل بدأت أعمال التدريب على المسرحية التي كانت مسيئة لشخص سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وانتشر الخبر في الصحافة الغربية حتى وصل الخبر إلى السلطان عبدالحميد الثاني الذي جمع سفراء الدولة في أوروبا وهدد الفرنسيين بقطع العلاقات معهم وتحت الضغط الشديد اضطر الرئيس الفرنسي «سادي كارنو» إلى إلغاء عرض المسرحية، لكن المؤلف لم ييأس وتوجه إلى بريطانيا وبدأ يحضر للمسرحية فتفاجأ بصدور أمر ملكي يمنع عرضها، فكرر المحاولة في بريطانيا وأمريكا وفي كل مرة يفاجأ بمنعها.
بعد كل ما حققته فرنسا من استثمار هذه الحادثة ألا يتبين للجميع أن «شارلي» تجارة وعبادة!.
بقلم: د. فراس الزوبعي