قبل سنوات عدة جمعني لقاء برجل كان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين قد اختطف أخاه، وبعد مضي أيام على اختطافه حصل على اتصال من الخاطفين وطلبوا التفاوض، فتولى والده التفاوض وحاول استعطافهم ولأن الرجل كغيره من الآباء عاطفته تتغلب على تفكيره، لم يتمكن من الوصول معهم إلى نتيجة، فتولى الأخ عملية التفاوض، يقول في أول اتصال لهم معي طلبوا مئة ألف دولار، فقلت لهم لا نملك هذا المبلغ ولا أقل منه ولن ندفع شيئاً، قالوا إذاً سنذبحه، فقلت لهم اذبحوه لكن «النعال» الذي في رجله لي، فإذا ذبحتموه أعيدوا إلي نعلي! بعد هذه المكالمة بساعات عاد المخطوف إلى بيته سالماً مع «النعل»!
تابعنا خلال الفترة الماضية قضية الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي وقع في أسر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي هو امتداد لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ومن قبلها دولة العراق الإسلامية ومن قبلها مجلس شورى المجاهدين ومن قبلها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي سبقته جماعة التوحيد والجهاد، ستة أسماء لمنظمة واحدة مرت بمراحل عدة، كان لكل مرحلة منها خصوصية ورجال، إلا أن أساسيات المنهج في هذا التنظيم لم تتغير وسلوكيات أفراده وقادته ازدادت شراسة وعنفاً وتجاوزاً على حرمات الله عز وجل.
عندما سمعت أول مرة مناشدة صافي الكساسبة، والد الطيار الأسير عند «داعش» والطريقة التي خاطبهم بها؛ تذكرت قصة ذلك الرجل الذي خطف ولده على يد التنظيم ذاته عندما كان اسمه تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والطريقة التي خاطبهم بها، فهو أب ومشاعر الأبوة والخوف على ولده تدفعه لفعل أي شيء من شأنه إطلاق سراحه، لذلك وجه رسائل هادئة للتنظيم وحاول جاهداً الضغط على الحكومة الأردنية للدخول في مفاوضات مع «داعش» وله كل الحق في ذلك، كما أنه لم يدخر جهداً في هذا الموضوع، لكني في الوقت ذاته ومن خلال متابعتي سنين طويلة لسلوكيات هذا التنظيم كنت متأكداً أن أي نوع من أنواع التفاوض لن يجدي معهم وسواء دخلت الحكومة الأردنية في مفاوضات أم لم تدخل فالنتيجة ستكون واحدة، إن أرادوا إطلاق سراحه سيطلقونه ولو بغير ثمن، وإن أرادوا إعدامه بطريقة بشعة لا تمت للدين الإسلامي ولا حتى للإنسانية بصلة سيفعلون ولو فتح معهم باب التفاوض وكان الثمن له قيمة، وهو ما حصل بالفعل.
من يراقب أفعال هذا التنظيم يدرك تماماً أنه لا يأبه للمفاوضات مع أحد، والحكومة الأردنية تعرف ذلك أكثر من المراقبين، لكنها لم تكن تملك خياراً آخر لتؤدي التزاماتها أمام أفراد شعبها وقد فعلت.
– تشابه..
ليس تنظيم «داعش» وحده من لا يأبه للمفاوضات، فهناك الميليشيات الشيعية التابعة لإيران فاقت «داعش» في هذا المجال، فهي تخطف وتقتل بطرق «داعش» نفسها، لكنها تدخل في مفاوضات لتبتز ذوي المخطوف وبعدما تحصل على ما تريد تغدر بمن تفاوضت معهم.
بقلم: د. فراس الزوبعي