تحركات روسيا الأخيرة في سوريا وتصاعد حدة التصريحات بين الطرفين، وكل ما يرافق ذلك يدل على أن الأمور لا يمكن أن تستمر فترة أطول دون حدوث شيء ما بين الطرفين، فهل ستكون النتيجة صداماً ومواجهة بينهما؟
لا شك في أن الصدام بين قوتين عظيمتين مثل أمريكا وروسيا ليس كغيره من الصدامات، وإذا ما حصل مثل هذا فسينتهي بزوال أحدهما، ولا أعتقد أن أحداً منهما مستعد للدخول في هكذا مجازفة، لكن المواجهة يمكن أن تحدث بواسطة أطراف أخرى وعلى غير أرضيهما وبغير شعبيهما، وهذا المرجح فأمريكا لها مصالح في الأرض الممتدة من العراق وحتى الساحل السوري وتريد تحقيقها، وكذلك روسيا لها مصالحها فسوريا موطئ قدمها الوحيد في المنطقة ولغاية الآن لم يتمكن الطرفان من التوفيق بين مصلحتيهما، وبعد أن وصلت أمريكا إلى قناعة بضرورة التخلص من بشار الأسد، تأتي روسيا وتعزز من وجوده وبقائه وتعتبره جزءاً أساسياً من الحل، وفي الواقع هو تعزيز لوجودها هي، ومع كل هذا يعلن البيت الأبيض أن واشنطن ستسعى في مباحثات مرتقبة إلى دفع روسيا لمواجهة تنظيم الدولة «داعش» بدل أن تركز على دعم الأسد لأنه أمر لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، طبعاً هذا لن يحصل أبداً لأن روسيا تعتبره سيراً خلف أمريكا وعملاً تحت إمرتها.
لذلك سيكون أمام أمريكا أحد الخيارين، الأول أن تهيئ الأجواء والأحداث داخل سوريا لتدخل في مواجهة مع روسيا من خلال مجموعات مقاتلة وحتى من خلال دفع «داعش» إلى هذه المواجهة لإضعاف روسيا هناك، وكذلك روسيا ستستخدم أطرافاً أخرى في هذه المواجهة، وبذلك لن يخسر أحدهما شيئاً فسوريا ليست أرضيهما وليس هناك أحد من شعبيهما، لكن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً، أما الخيار الثاني فهو العمل على إزالة بشار الأسد بأسرع وقت ممكن، ثم تأتي برئيس يعمل على إخراج روسيا من سوريا ويتمكن من التفاهم مع أمريكا في الوقت نفسه، ويبدو هذا الخيار هو الأقرب والأنسب لأن أمريكا ستكسب به تأييد ودعم أكثر من جهة، فالعرب يؤيدون إزاحة الأسد وسيدعمون هذه الخطوة، كذلك دول الاتحاد الأوروبي ستدعم مثل هذا الخيار لا سيما بعد مشكلة اللاجئين وتفاقمها في أوروبا.
كما إن هذا السيناريو مجرب من قبل وجاء بنتائج إيجابية كما حصل في أوكرانيا عندما أطيح بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا وجيء برئيس يوالي أمريكا والغرب عمل على تحجيم روسيا بشكل كبير، ومع أن مصالح روسيا في أوكرانيا أكبر بكثير من مصالحها في سوريا فهناك 1300 كيلو متر حدوداً مشتركة ومصانع تكاملية مشتركة لصناعة الطائرات والصواريخ وكثافة بشرية روسية، إلا أنها لم تتمكن من فعل شيء حتى بعد أن تدخلت مدعية أن الرئيس طلب منها ذلك، لذلك ربما سيتكرر هذا السيناريو في سوريا قريباً.
بقلم: د. فراس الزوبعي