الدكتور وبوتين في انتظار التاريخ

يقولون، من لم يتعظ من التاريخ، صفعه التاريخ، فكيف إذا كان تاريخاً حديثاً عشنا أحداثه؟ هكذا فعل بشار الأسد وفلاديمير بوتين الذي لم يعش التاريخ فحسب، وإنما كان مشاركاً في صناعته.
تدخلت روسيا في سوريا، وأنزلت قواتها المحدودة هناك، وحلقت مقاتلاتها في أجواء سوريا قاصفة أراضيها، بطلب من بشار الأسد الذي وصل إلى مرحلة لم يعد فيها قادراً على حماية كرسيه، كما تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ولا أود هنا الحديث عن فترة الغزو السوفيتي لأفغانستان، فما يهمني المرحلة التي أعقبت «اتفاقية جنيف» التي وقعها ميخائيل غورباتشوف وبموجبها تم سحب القوات السوفيتية من أفغانستان. في هذه الفترة كان الوضع في أفغانستان مشابهاً للوضع في سوريا، فالمعارضة والفصائل المسلحة تنتشر في كل مكان والرئيس الأفغاني وقتها «محمد نجيب الله» لم يكن مسيطراً، وكرسي رئاسته في خطر أيضاً، فأراد من السوفييت حمايته بالإبقاء على ربع قواتهم في أفغانستان، لكنهم أرادوا تنفيذ الاتفاقية كما هي، فسحبوا قواتهم كاملة، وبعد سحبها مباشرة زار وزير الدفاع السوفيتي كابول، فطلب منه نجيب الله فريق عمليات يساعده في حل مشاكله العسكرية، تماماً كما فعل بشار لكنهم اليوم يطلقون عليهم صفة «مستشارين»، وعندما عرض الوزير الأمر على غورباتشوف وافق على الفور وشكل فريقاً عسكرياً من 20 خبيراً عسكرياً بقيادة الجنرال السوفيتي محمود غارييف، وأرسلهم إلى أفغانستان، وكانت مهمتهم الرسمية تقديم المشورة والمساعدة للحكومة الأفغانية، أما مهمتهم الحقيقية كما يصفها غارييف هي «الحفاظ على النظام من السقوط بيد المعارضة».
يقول محمود غارييف «قبل أن أذهب بالفريق إلى أفغانستان التقيت وزراء الداخلية والدفاع والخارجية في الاتحاد السوفيتي والتقيت غورباتشوف نفسه، وبصراحة كان الذعر يسود كل تلك المؤسسات، وكان واضحاً أن الاتحاد السوفيتي في مأزق، لكن الفريق ذهب إلى أفغانستان وأصبح مشرفاً على كل العمليات العسكرية لدرجة أن نجيب الله لم يكن يستطيع اتخاذ قرار من دون محمود غارييف، ومع أن عمل هذا الفريق دام أكثر من سنتين فإنه في النهاية اضطر إلى مغادرة أفغانستان أمام صمود المعارضة وتقدمها». وعن هذا العمل يقول غارييف «لقد ورطونا في دخول أفغانستان وما كان علينا دخولها»، وهذا ما توصل إليه وشهد به للتاريخ، أما نجيب الله فترك لوحده يواجه الفصائل المسلحة، ومع أنه لم يفعل ما فعله بشار الأسد الذي قتل أكثر من 200 ألف سوري وهجر الملايين إلا أن الفصائل الأفغانية وضعته رهن الاحتجاز أربع سنوات طالب خلالها الأمم المتحدة باللجوء ولم تسمح له حتى وصلت «طالبان» إلى السلطة فأخرجته من حجزه وعلقته على أحد الأعمدة في كابول وشنقته أمام الناس سنة 1996.
هذه كانت نهايته، لم يحافظ على كرسيه، ولم يتمكن الاتحاد السوفيتي من الحفاظ على نفوذه في أفغانستان، ثم يأتي بشار الأسد وبوتين بعد أقل من 20 سنة ليكرروا الفعل نفسه، ولم يتعظوا من التاريخ.. فهم بلا شك في انتظار صفعته، فتكون النهايات متشابهة، لكن هل تعلمون؟! من مفارقات هذه الأحداث أن رئيس سوريا بشار الأسد مهنته الأصلية طبيب، وكذلك كانت مهنة نجيب الله طبيباً أيضاً.

بقلم: د. فراس الزوبعي