بما أن الصراع على المصالح في سوريا قائم، والحرب بين أمريكا والتحالف الذي تقوده من جهة، وروسيا من جهة أخرى، من المكلف والمدمر أن تكون حرباً عسكرية مباشرة، لذا يتصارع كل طرف مع الآخر من خلال طرف ثالث، وإذا كانت أمريكا اختارت دعم المعارضة السورية المعتدلة كجزء من الإجراءات التي تواجه بها روسيا، فإن روسيا اختارت هذه المرة اللعب مع أمريكا على حلفائها الإستراتيجيين في سوريا، ولها في ذلك تجربة وتاريخ.
لطالما اعتبرت أمريكا أن الأكراد حليفها الإستراتيجي في العراق وسوريا، وتعدهم الجهة الأكثر جاهزية للعمل معها خصوصاً في القضايا العسكرية، فهم أكثر تنظيماً وتدريباً من غيرهم، وأهدافهم واضحة ومعلنة ويتفقون عليها فيما بينهم، روسيا تدرك ذلك جيداً، والحقيقة أن علاقتها بالأكراد أقدم من علاقة الأمريكيين بهم، لذلك يبدو أنها اختارت أن تنازع أمريكا أو تشاركها حلفاءها الإستراتيجيين كجزء من الصراع على المصالح فيما بينهم، فبعد ساعات من زيارة بشار الأسد إلى روسيا توجه وفد من أكراد سوريا إلى موسكو ممثلين بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وكان الأكراد قبلها قد أعلنوا منطقة شمال شرق سوريا منطقة حكم ذاتي كردي، ومن الضروري معرفته أن الأماكن الواقعة تحت سيطرة الأكراد تشهد تواجداً متزايداً للروس حالياً.
أن تجد روسيا حليفاً إستراتيجياً في الأكراد أمر مهم بالنسبة لها، لأن روسيا تدرك أن بشار أصبح ورقة خاسرة قد يتمكن من الحفاظ على مصالح روسيا في بقعة صغيرة من سوريا، لكن ليس في كل سوريا، ويبدو أن الوضع في سوريا متجه نحو «كانتونات» تسيطر عليها جماعات وميليشيات لذلك لا بد لها من كسب هذه الجماعات لتحفظ مصالحها ونفوذها وإيجاد بدائل عن الأسد، كما أن في تحالفها مع أكراد سوريا إزعاجاً لأمريكا التي تعتبر الأكراد حلفاءها، أما بالنسبة للأكراد فهم خير من يتعامل مع التناقضات ويحقق مصالحه من خلالها، وهم بين أمريكا وتركيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، هدفهم توسيع رقعة وجودهم على الأرض، وإنشاء إقليم على غرار إقليم كردستان العراق، إن لم يتمكنوا من إنشاء دولة، وهذا تعارضه أمريكا وتركيا، أما روسيا فستكون سبباً في بقائهم ونفوذهم، أمريكا وتركيا تعتبران حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية، وتركيا تعتبر قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي فرعاً لحزب العمال، بينما روسيا لا تعتبر حزب العمال جماعة إرهابية، تركيا لا تقبل التعاون مع الجماعات الكردية، بينما روسيا تقدم الدعم لها.
أكراد سوريا يعدون تحالفهم مع الروس مكسباً وورقة ضغط على أمريكا لتقدم لهم المزيد، لكن عليهم أن يراجعوا التاريخ قليلاً، فهذه ليست التجربة الأولى للأكراد، فقد لجأ قبلهم أكراد العراق للاتحاد السوفييتي في الأعوام 1946-1958 بقيادة الراحل الملا مصطفى البارزاني ومعه مئات المقاتلين، وبعد أن عادوا إلى العراق تبين أن السوفييت يريدون من هذه العلاقة زعزعة مصالح الغرب في الشرق الأوسط ليس أكثر، فبعد أن اتفق السوفييت مع الحكومة العراقية أداروا ظهرهم للأكراد، ولذلك علاقة الروس الحالية بأكراد سوريا ستكون ورقة ضغط يستفزون بها أمريكا وتركيا.
بقلم: د. فراس الزوبعي