يخطئ من يظن أن تنظيم الدولة «داعش» هو مجرد تنظيم مسلح عنيف يتخذ من الدين ستاراً وبضاعة له، فـ «داعش» فكر دعمته ظروف قوية.
«داعش» قبل أن يكون تنظيماً مسلحاً كان فكراً راق لكثير من الشباب المحبط من الواقع، الباحث عن رموز واقعية كتلك التي قرأ عنها في التاريخ، التحق بهم كل من ظلم وعذب ولم يجد من ينصفه، بالإضافة لأفراد عصابات وجدوا ضالتهم في التنظيم ليكون غطاء لأعمالهم، بعلم أو بغير علم قادة التنظيم، لينطلقوا بعد ذلك من ساحة جمعت الأحمر والأسود والأصفر والأبيض من مشارق الدنيا ومغاربها، جيرتهم جهة أو جهات لصالحها، اخترقتهم مخابرات، وجهتهم دول من حيث يشعرون أو لا يشعرون، حصل ذلك أم لم يحصل النتيجة واحدة، هو أقوى تنظيم مسلح على الأرض اليوم، يقاتل أتباعه قتال طالب الموت، ومع كل ذلك انحرافات فكرية نتج عنها كوارث، لكن ذلك الفكر ومع الحرب العالمية عليه آخذ بالتوسع والانتشار، والسبب الدعم الذي يحصل عليه من الظروف المحيطة بوجوده، تتلخص هذه الظروف بوجود نشاط فكر منحرف آخر لا يقل خطورة عنه بل هو أخطر منه، ألا وهو فكر إيران وثورتها التي تسعى لتصديرها منذ أكثر من ثلاثة عقود خلت، فكر قائم على اللعن وسفك الدماء والاعتداء والاستئصال، لذا ففكر «داعش» لم يظهر في العراق وسوريا فجأة، وقد سبقه إجرام تقف خلفه إيران بحكومتها في العراق، وبمباركة أمريكا والمجتمع الدولي.
يقولون دائماً إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وهي مقولة وقاعدة صحيحة، ولا يعني هذا إهمال الحل العسكري الذي تريد أمريكا اليوم إقحام العرب السنة فيه وقتال «داعش»، وتحاول توفير الإمكانات اللازمة لهم، لكنها في الحقيقة لن تحصل إلا على نفعيين يبحثون عن وظائف هنا وهناك، أما من يستطيع فعلاً إبعاد «داعش» عن الأرض فهم أهل الأرض أنفسهم السكان المحليين برجالهم ونسائهم وشيوخهم، وهؤلاء ليس لهم الآن الاستعداد النفسي والفكري لهذا الأمر لأنهم جربوا ذلك من قبل وبعد أن حققوا المطلوب سلطت عليهم أمريكا الحكومة العراقية التي تعمل وفق الفكر الإيراني فوجدوا أنفسهم أمام من يحاربهم في دينهم ويهدم دورهم وينهب أموالهم ويعتقل نساءهم ويهجرهم ويطاردهم ويسب رموزهم الدينية، ولايزال كذلك، فلم يقاتلون والحال هذا؟ وحتى لو أراد أحد العمل عليهم بفكر مقابل وتوعيتهم مع أنهم يعلمون من «داعش»، ومن الحكومة العراقية، فهو الآخر لن يجدي نفعاً لأن لا قيمة لأي فكر ما لم ترافقه ظروف صحية، وزوال الظروف الداعمة للفكر المقابل، وهو ما لم يتحقق اليوم فإيران وفكرها المنحرف يعمل بقوة في العراق وهذا ما يمثل الظرف الداعم لوجود فكر «داعش».
لا يمكن أن يتحقق شيء في الجانب الفكري المقابل لفكر «داعش» ما لم تقتلع جذور الفكر الإيراني من العراق أو على أقل تقدير تبعد عن بغداد وإدارة الحكم والمناطق والمحافظات التي يسكنها العرب السنة، ليتقبلوا بعد ذلك دروساً في الفكر تؤثر في قلة قليلة منهم ترى في «داعش» أداة لمواجهة إيران وأتباعها، فلتبحث أمريكا والمجتمع الدولي هذا الموضوع قبل بحثهم عن مقاتلين من العرب السنة.
بقلم: د. فراس الزوبعي