لم يعد خطر إيران على محيطها وعلى العالم العربي والإسلامي خافياً على أغلب المسلمين، لكن نسبة إدراك الخطر ومعرفة حدوده يختلف من شخص لآخر ومن شعب لآخر، وكلما اقتربت إيران من بلد كان أهله أكثر الناس معرفة بخطرها، أما من دمرت إيران دولهم مثل العراق وسوريا فهؤلاء كانت الدروس التي تلقوها في التعرف على إيران قاسية لأنهم طبقوها عملياً، وتبقى هناك دول تشاهد سلوك إيران وتستهين بخطرها، من هذه الدول تونس التي دهمها الخطر الإيراني قبل عقود دون شعور أحد.
لا يعرف كثير من العرب وربما كثير من التونسيين أنفسهم أن إيران وضعت تونس هدفاً لها منذ بداية انقلاب الخميني على نظام الشاه في إيران، وبدأت تصدير الثورة فعلياً لها منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ولأن تونس ليس فيها شيعة، فكان لا بد من نشر التشيع التابع لإيران بالكامل هناك مستخدمة ثرواتها لهذا الغرض مستعينة بسياسة النفس الطويل التي تعتمدها، ولذلك يوجد نوع واحد من الشيعة في إيران وهم الإمامية الاثنا عشرية، وخلال ثلاثة عقود ونصف غفل فيها العالم العربي بل حتى التونسيون عن تونس، تمكنت إيران من التغلغل الحقيقي في تونس، وأصبح لها وجود في أنحاء متفرقة يتجاوز العشرة أماكن، من بينها العاصمة تونس التي تأتي في المرتبة الرابعة من حيث كثافة التواجد والحضور.
أما الشخصيات التي جندتها إيران لتنفيذ مشروعها في تونس فأغلبهم من النخب في قطاعات مختلفة وهم الآن الفاعلون والمؤثرون الذين يتولون تجنيد بسطاء الناس وتحريكهم، وهؤلاء يتوزعون بين أساتذة جامعات في تخصصات مختلفة منها العلوم الإسلامية والتاريخ والفلسفة والفكر وغير ذلك، وبين عاملين في مجال الطب والفنون والصحافة ونشر الكتب وأغلبهم أسس جمعيات فكرية وثقافية وخيرية واجتماعية، وبعضهم فتح داره لتكون وكراً لنشر أفكار الفرس في تونس، بالإضافة إلى نكرات في عالم السياسة تصنعهم إيران صنعاً لتجعل منهم متحدثين سياسيين، ولم يفت إيران أن تضع العمامة السوداء على أحد التونسيين الذين يمثلونها هناك ليتولى جمع «الخمس» ويحصل الأموال وأهم من ذلك تحصل على طاعة التونسيين المغرر بهم من خلال هذا المعمم ليكتمل المشهد الإيراني، ساعدهم في ذلك حالة الفقر في المجتمع وقناعة أكثر الفقراء بضرورة «تمشية» الحال اليومي على مبدأ «عشيني اليوم وجوعني بكره» لكن إيران تعمل بمبدأ «أعشيك اليوم لأذبحك بكره» ولعل في مقالات قادمة سأذكر تفاصيل عن التغلغل في تونس.
ما هو عاجل ومهم الآن هو أثر هذا الوجود فإيران اليوم حققت وجوداً فعلياً وستبدأ العمل والتخريب، والعالم بما فيه تونس يحذر من تنظيم الدولة «داعش» ويهمل إيران التي يجب الحذر منها بالدرجة نفسها، وسيكون لوجودها أثر مرتبط بـ«داعش»، لعل المقال القادم سيكون لبيان هذا الأمر.
بقلم: د. فراس الزوبعي