الله الله بالرعية

في منطقة من مناطق جنوب العراق، كان هناك امرأة لها ولد يتيم، كبر الولد وأصبح شرطي مرور، وقتها لم يكن في تلك المدينة إلا شارع واحد وكان عدد السيارات قليلاً جداً ولم تكن إشارات المرور الضوئية قد وصلت بعد، كل يوم كان الولد يرتدي ملابسه الرسمية ويذهب لعمله، وكانت الأم فخورة به لكنها لم تكن تدرك طبيعة عمل ابنها فقط كانت متصورة أنه في مركز حساس مرموق لأن الشرطي في نظرها «الحاكم بأمر الله»، ذات يوم طلبت منه أن تكحل عينيها برؤيته وهو يؤدي وظيفته، وبعد أن وافق وصف لها المكان الذي يعمل فيه، فبادرته بزيارة ميدانية دون علمه بتوقيتها، عندما وصلت إلى التقاطع المروري الذي يقف فيه وجدت ابنها يلوح بيده اليمنى للسيارات مانحاً إياهم الإذن بالمرور، ولأن الأم كانت بسيطة جاهلة تخيلت أن ابنها بمقام الملك لأنها لم تر أحداً يلوح بيده غيره عندما يخرج على الشعب، فتصورت أن ابنها يقف في الشارع ليحيي الشعب أيضاً.. وفجأة هتفت بأعلى صوتها «كفو ولدي… الله الله بالرعية».
هذا النموذج من البشر بهذا المستوى من التفكير هو الذي عملت عليه إيران منذ سنين طويلة حتى قبل مجيء الملالي إلى السلطة، ليس في العراق وحده بل في كل مكان استهدفته إيران، وهؤلاء هم من تسوق عليهم إيران بضاعتها الفاسدة، فهي تعرف جيداً طبيعة المجتمعات التي تذهب إليها، وللسبب نفسه ذهبت إلى أفريقيا ونجحت هناك إلى حد كبير، ولتضمن استمرار سيطرتها على المجتمعات تحرص على إبقاء الجهل فيهم، وأقصى ما يمكن أن يحصلوا عليه هو وظيفة الشرطي، حتى المغفلين الذين يسمون أنفسهم معارضين سياسيين وتعدهم إيران لتصنع منهم رجال سياسة، في النهاية وظيفتهم لن تكون أكثر من الشرطي أو الحارس الذي ينظم لإيران عملها، حتى وإن كان في منصب وزير أو رئيس وزراء كما نشهد اليوم في العراق ولبنان واليمن، أما عامة الناس فجعلت منهم ميليشيات مسلطة حتى على رقاب أتباعها ومن يدين لها بالولاء، فمازالت الميليشيات شيئاً كبيراً في نفوس كثير من الجهلة ويعتبرونها جهات آمرة ناهية تملك قرارها، مع أن هذه الميليشيات تعبث بأمنهم، وعندما لا تكون هناك مهمات لإيران تجعل هذه الميليشيات تتقاتل فيما بينها لتشغلها.
المشكلة أن مساحة تفكير أتباع إيران في المنطقة العربية ضيقة جداً، كما إن الجهل والخرافة يسيطران عليهم، ولذلك لن ينتفضوا عليها في الأفق القريب، حتى مع الوضع الحالي فهذه الميليشيات كثير منها في العراق نقل عمله صوب مناطق الجنوب وبدأ بعمليات السلب والنهب والسرقة من أشخاص يدينون لإيران بالولاء، إلا أن حالهم كحال العجوز التي ترى في ابنها الشرطي مالكاً لرقاب البشر مع أنه مجرد شخص ينظم لهم السير.

بقلم: د. فراس الزوبعي