قائد آخر الصفويين وسور الميليشيات العظيم

لبغداد سور تاريخي بناه المستعين بالله سنة 251هـ، وطوره الخلفاء العباسيون من بعده، وارتبط بناء هذا السور بأمرين، الأول: حالات النزاع وضعف الحكم، والثاني: الأخطار الخارجية والتي كان أهمها خطر الفرس، واليوم يعاد بناء هذا السور لكن من يعيد بناءه ليس أهل بغداد وإنما من احتلها.
لعل أسوأ حصار شهدته بغداد في التاريخ وكان السور سبباً في فشل اقتحامها، ذلك الحصار الذي جرى على يد نادر أفشار، شاه إيران الذي بدأ حياته قاطع طريق، ثم عمل قائداً عسكرياً لطهماسب الثاني آخر حاكم صفوي، وقد حاصر نادر بغداد سنة 1732م عندما كان قائداً للصفويين، وكان حصاره أسوأ حصار في تاريخها فقد أحدث مجاعة اضطرت أهل بغداد إلى أكل القطط والكلاب، لكنه لم يتمكن من غزوها وجر أذيال الخيبة، كان ذلك عندما كان سور بغداد يحمي أهلها من الاعتداءات الخارجية، واليوم يعاد بناء سور حولها لا ليحمي أهلها وليس بيدهم، فأحفاد نادر شاه دخلوا بغداد التي كانت عصية عليهم على ظهر دبابة العم سام، وانتشرت ميليشياتهم فيها، وهؤلاء هم من يبني سور بغداد ليحافظوا على غنيمتهم، ويحاصروا أهلها داخلها ويمنعوا من خرج أو يخرج منها من العودة إليها.
الميليشيات التي تسمي نفسها الجيش العراقي باشرت بتنفيذ سور بخندق عمقه 2م وعرضه 3م تضع فيه الجدار العازل الكونكريت الشبيه بجدار الفصل العنصري في فلسطين، والذي صنعه الأمريكيون أيام تواجدهم في بغداد ويبلغ ارتفاعه قرابة 5م، وسيوضع هذا السور شمال وغرب بغداد أي في مناطق العرب السنة لتعزلهم عن بغداد وتؤسس لحدود جديدة، وقد حصل مؤخراً جدل كبير حول هذا السور فقد اعتبره بعضهم بداية التقسيم واعتبره البعض الآخر إجراء لا طائل منه، ولنعرف سبب إقدامهم على هذا الأمر، علينا أن نعود إلى الوراء 13 عاماً، عندما وصل السياسيون الشيعة الجدد إلى العراق ومكنتهم أمريكا من بغداد، وقتها كان يتمنى هؤلاء لو يقسم العراق أو تكون هناك أقاليم وكان أغلب سياسييهم مهووسون بعبارة واحدة رددوها مراراً على الفضائيات، وهي «بغداد لنا» أي يريدونها تحت حكم «ولاية الفقيه»، وإذا عدنا لقضية السور والإعلان عنه سنجد أنه حصل في اليوم التالي لطرد الأمريكيين الميليشيات الشيعية من القواعد العسكرية شمال بغداد، لقد أدرك أتباع «ولاية الفقيه» في العراق أن أمريكا تعتزم إجراء تغييرات قد تؤثر على مغانمهم ولذلك سارعوا في تأمين بغداد لتبقى في حوزتهم، يؤكد ذلك ما تفعله مفارزهم العسكرية من منع أبناء تكريت من الدخول إلى بغداد.
بناء هذا السور لا قيمة له ولن يحصن أتباع «ولاية الفقيه» فإن كانت أمريكا تخطط لشيء يؤثر عليهم، فلن يتمكنوا من الوقوف بوجهها فهي من جاءت بهم وتعرف كيف تتعامل معهم، كما أن بناءهم للسور يدل على أنهم اليوم في حالة ضعف مع أنهم يتظاهرون بالقوة، وإن كان نادر شاه قد فشل في اقتحام السور وغزو بغداد من الخارج فسيفشل خلفه من الحفاظ على الاستمرار في احتلالها ولن ينفع سورهم المهلهل.

بقلم: د. فراس الزوبعي