توم وجيري من أشهر أفلام الرسوم المتحركة، ولطالما أمتع الصغار والكبار، مع أن أحداث هذا الكرتون بأجزائه وحلقاته الكثيرة تتلخص بالآتي: مطاردة ومعارك مستمرة بين القط والفأر داخل المنزل، تتسبب دائماً بتحطيم المنزل وأثاثه، في حين يبقى القط والفأر سالمين، وكل ما يصيبها من أذى فهو «بالريش» وهناك دائماً صوت امرأة تصرخ على القط والفأر، مئات الحلقات وهم على هذا السيناريو وفي كل مرة نضحك على هذه المشاهد، ولم يكن يخطر ببالنا أننا سنعيش هذه الأحداث واقعاً، بل أن كثيراً منا لم يدرك إلى الآن أنه أصبح بين توم وجيري.
إذا كانت أحداث توم وجيري ممتعة فذلك لأنها في عالم الخيال والرسوم المتحركة، أما عندما نكون بينهما في الحقيقة فتكون مرة لا يمكن تقبلها، توم وجيري أو إيران وتنظيم الدولة «داعش» فرضاً هذا الواقع على البيت الذي تواجدا فيه، ولأنهما كتوم وجيري يكررون الفعل نفسه أصبح من السهل جداً معرفة سيناريو كل مشهد، ففي النهاية هو مطاردة بينهما، يأتي «داعش» ويسيطر على بقعة أرض بعدها تأتي إيران بواسطة الميليشيات الشيعية التابعة لها، فإما أن يقاتلها «داعش» وإما ينسحب من المكان، في الحالتين سينتهي الأمر باحتلال الميليشيات للأرض التي دخلها «داعش» من قبل، أول مرة يفعل «داعش» في المنطقة ما أمكنه فعله ثم تأتي بعدها الميليشيات لتحرق الأرض وتنسف الدور وتنهب الممتلكات وتقتل الرجال وتمثل بالجثث وتهجر الناس وتحولهم إلى نازحين في الخيام على حدود كردستان، أمر تكرر في أكثر من منطقة من مناطق العراق كما حصل في ديالى وتكريت وبيجي والرمادي.
ومؤخراً منطقة «أبو غريب» غرب بغداد وداخل حدودها، التي فاجأ «داعش» الجميع بالوصول إليها وسيطرتها لساعات على مقر عسكري للجيش الحكومي وقتل عدداً من الجنود، فنزح عدد غير كبير من المنطقة المحيطة بمسرح الأحداث، بعدها أمر مقتدى الصدر ميليشياته بالتحرك إلى المنطقة فنفذ «داعش» تفجيراً في مدينة الصدر أودى بحياة 58 وجرح 90 من مؤيدي الصدر، ولن تنتهي الأحداث على هذا فما هو متوقع بعدها هو تحرك الميليشيات الشيعية الإرهابية إلى منطقة «أبو غريب» ذات الغالبية العربية السنية لتفعل بها كما فعلت في ديالى وتكريت وغيرها مع أن «داعش» تركها ولا يريد بغداد أصلاً، وبعدها سيهجر الأهالي البسطاء ليلتحقوا بالنازحين الذين سبقوهم في النزوح.
لم يكن توقيت هذه العملية اعتباطياً فقد جاءت في وقت تعمل فيه إيران وميليشياتها على إفراغ محيط بغداد من العرب السنة وعمل طوق حولها بسور وخندق وهي بحاجة إلى مبررات لتنفذ عملية التغيير الديمغرافي هذه، وهي لا تطمئن أبداً لمنطقة «أبو غريب» ففي بداية القرن الماضي رفضت الاحتلال وقتل شيخها ضاري الحاكم الإنجليزي جيرارد ليتشمان، وعندما احتلت أمريكا العراق رفضت احتلالها أيضاً وقاتلتها بشراسة ولن تقبل بحال من الأحوال بالاحتلال الإيراني، و»داعش» أيضاً بحاجة ليقول إنه تنظيم قوي، وفي النهاية المتضرر هم الأهالي، ذلك البيت الذي يحطمه توم وجيري مع أنهما لم يتأثرا، ويبقى الإعلام صوت تلك المرأة الذي لا يؤثر في أي شيء.
بقلم: د. فراس الزوبعي