السياسة الخارجية الأمريكية بعد أوباما

يعتقد كثيرون أن الرؤساء الذين يتعاقبون على حكم أمريكا مجرد أدوات تنفذ خططاً أعدت سلفاً من قبل من يرسم سياسة أمريكا، وأنهم لن يغيروا شيئاً في هذه السياسة، ولأن النظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا فرض علينا الاحتكاك بسياستها الخارجية بشكل دائم ومستمر، لذا أصبح لزاماً علينا أن نعرف إذا ما كانت هذه النظرة دقيقة أم قاصرة لأن استشراف مستقبل المنطقة بات مرتبطاً بسياسة أمريكا الخارجية.
صحيح أن رؤساء أمريكا ملتزمون بسياسة خارجية معدة سلفاً لكنهم ملزمون باستراتيجيات لا تكتيكات، ودائماً هناك مساحة من الحرية يتحرك فيها الرؤساء، هذه المساحة تظهر الفارق بين رئيس وآخر، كثيرون وصفوا باراك أوباما بأنه ضعيف أساء لسمعة أمريكا التي عرفت بالقوة، وهؤلاء يترقبون سياسة مختلفة لأمريكا ما بعد أوباما، وقد كشفت المقابلة الأخيرة المطولة التي أجراها الصحافي «جيفري غولدبيرغ» لصالح صحيفة «ذي أتلانتك» مع الرئيس أوباما، أموراً كثيرة من شأنها توضيح لماذا تصرف أوباما بشكل مختلف عن سلفه «جورج بوش الصغير» كما يمكن من خلالها التكهن بشكل السياسة الخارجية الأمريكية بعد عهده، من ذلك أن أوباما كان ملتزماً باستراتيجيات كغيره من رؤساء أمريكا وأهمها وجوب استخدام القوة العسكرية المباشرة أمام التهديدات التي تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي، والتي منها تنظيم القاعدة، وكذلك التهديدات التي تواجه أمن إسرائيل وعدم استخدام القوة مع الأخيرة يعتبرها أوباما سقوطاً أخلاقياً، أما التهديدات الأخرى مثل سياسة إيران في منطقة الشرق الأوسط ومحاولاتها التقدم في المجال النووي، وجرائم الإبادة التي ينفذها نظام بشار الأسد، فيعتقد أنها تهديدات لا ترقى للتدخل العسكري المباشر، ولذا تشكلت قناعة لدى أوباما تتلخص بأن عدداً محدوداً من التهديدات في الشرق الأوسط يتطلب التدخل المباشر، وهذا ما يفسر تراجعه عن التدخل العسكري المباشر في سوريا مخافة أن تكون منحدراً يشابه المنحدر العراقي الذي وقع فيه سلفه «بوش الصغير».
الأهم من ذلك كله أن أوباما يزدري «بشكل سري» مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، لسبب واحد يتلخص في اعتقاده أن هذه المؤسسة تعبد المصداقية التي ترافقها القوة، ومبدأ المصداقية هذا هو الذي أوصل أمريكا إلى فيتنام وما نتج عنها، أي أنه يعتبر أن أسوأ سبب لاستخدام القوة هو إسقاط قنابل على شخص ما، فقط لأنك تريد إثبات أنك تريد إسقاط القنابل عليه، هذا الرأي الذي يتبناه أوباما في الوقت الحاضر لا يشاركه فيه أحد من الإدارة الأمريكية سوى شخص واحد وهو رئيس عمال البيت الأبيض، أما البنتاغون ووزارة الخارجية ومراكز الأبحاث الأمريكية المؤثرة في صناعة القرار ومجموعة المستشارين، كلهم يعتقدون أن مصداقية الأمن القومي سلاح معنوي قوي لإبقاء النظام العالمي متماسك وللحفاظ على شعور أصدقاء أمريكا بالأمن.
لذا من المرجح جداً عودة العمل بمبدأ المصداقية التي تصاحبها القوة في السياسة الأمريكية والتي استخدمها بوش الصغير ومن قبله كلينتون ومن قبله بوش الأب، بمجرد خروج أوباما من البيت الأبيض، وربما سيراهن الرئيس الأمريكي القادم عليها ليعيد صورة أمريكا في عيون العالم إلى سابق عهدها.

بقلم: د. فراس الزوبعي