بعد أكثر من مئة عام.. الملك سلمان يواجه بانرمان

قبل زيارة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى مصر بيوم واحد كنت ضيف الأستاذ ناصر الفركز في برنامجه «محاور استراتيجية» على إذاعة الرياض، وكانت الحلقة خاصة بزيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، وأذكر أني ختمت كلامي بعبارة تخص ما هو متوقع من الزيارة، فقلت إن هذه الزيارة سترسم ملامح جديدة لمواجهة ما تعيشه المنطقة من ظروف حرجة تهدد الأمن القومي، يومها لم نكن نعرف بعد أن أهم ما سينتج عن الزيارة هو تعيين الحدود البحرية التي حسمت تبعية جزيرتي صنافر وتيران للمملكة العربية السعودية، والإعلان عن تشييد جسر الملك سلمان الذي سيربط بين السعودية ومصر بل بين قارتي آسيا وأفريقيا، فضلاً عن الاتفاقات الأخرى.
وهنا لابد من الحديث عن قضية تاريخية وجيوسياسية تتعلق بالأمن القومي العربي والإسلامي، تتعلق بهذا الجسر الذي سيربط منطقة راس حميد في تبوك بمنطقة النبق في شرم الشيخ بسيناء عبر جزيرتي صنافر وتيران.
في عام 1905 عقد في لندن مؤتمر كامبل بانرمان، الذي استمرت جلساته حتى عام 1907 بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين لإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية في ذلك الوقت وهي، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا، وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية أسموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان، وكان من توصيات ذلك المؤتمر تشكيل جبهة استعمارية لتحقيق بعض الأهداف التوسعية في آسيا وأفريقيا، فتشكلت لجنة ضمت ممثلين عن الدول الاستعمارية بالإضافة إلى خبراء في الاقتصاد والتاريخ والزراعة والجغرافيا والبترول، واجتمعت في لندن سنة 1907 واستعرضت الأخطار التي يمكن أن تنطلق من تلك المستعمرات، وخلصت إلى أن الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيطين الأطلسي والهادي لا تشكل خطراً حقيقياً لانشغالها بالمشاكل الدينية والعنصرية، وأن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية يتمثل في المناطق العربية من الدولة العثمانية لاسيما بعد أن أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية وحتى الحكم التركي، بالإضافة إلى خطورة الشعب العربي على الدول الاستعمارية والمتأتية من عوامل عدة يمتلكها وهي وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف، ولذلك أكد المؤتمر على ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية في وضع متأخر وإيجاد حالة التفكك والانقسام وضرورة فصل الجزء الآسيوي عن الجزء الأفريقي من المنطقة العربية، فأقامت الكيان الصهيوني فكان حاجزاً بشرياً قوياً ومعادياً فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا منذ عام 1948.
وهكذا بعد مئة وعشر سنوات يقف الملك سلمان في مواجهة أحد مقررات مؤتمر كامبل بانرمان، من خلال تشييده الجسر الذي سيربط بين عرب آسيا وعرب أفريقيا، ولاشك في أن إسرائيل غير راضية عن بناء هذا الجسر الذي سيمر فوق الممر المائي الوحيد الذي يوصل ميناء إيلات بالبحر الأحمر، لكن في طبيعة الحال الممر هو دولي ولا يمكن إقفاله إلا في حالة الحرب، كما أن إسرائيل كانت أداة لمشروع بانرمان وليست صاحبة المشروع، ولكن هذا لا يمنع أنها ستفتعل المشاكل، فهذا الجسر سيحدث تغييراً جيوسياسياً في المنطقة، وأهمية تتجاوز الاتصال البري بين مصر والسعودية فهو ركيزة من ركائز الأمن القومي العربي والإسلامي.

بقلم: د. فراس الزوبعي