لا تستغرب أنت البادي!

يا للأسف.. فعبارة «لا تستغرب أنت البادي»، «عنوان المقال»، لن يسمعها صاحب القصة بعد أن أصبح في باطن الأرض، لكن الكثيرين ممن مازالوا على ظاهرها معنيون بها وعليهم سماعها وأخذ العبرة منها، علهم يتمتعون بشيء من العقل فيتعظون بغيرهم، قبل أن يتعظوا بأنفسهم.
صاحب القصة شاب أفغاني يدعى «ناغالاي داوودزاي» هذا الشاب عمل في فترة من الفترات مترجماً لصالح القوات البريطانية خلال العملية العسكرية في ولاية هلمند الأفغانية، وبعيداً عن الموقف العالمي الرافض لطالبان، تبقى هناك حقيقة واحدة وهي أن القوات البريطانية وغيرها من القوات تمثل حملة غزو عسكرية جاءت من خارج أفغانستان، فضلاً عن أن العملية امتداد للاجتياح الأمريكي، ووفق كل الأعراف فإن أقل أمر مقبول من أهل البلاد هو عدم الدخول في الصراع، أما أسوأ فعل فهو مساعدة الغزاة أياً كانوا ولأي سبب كان غزوهم، وأياً كان نوع وشكل المساعدة، والعمل بصفة مترجم مع القوات الأجنبية يقدم الخدمة والمساعدة لها، وغالباً ما يقدم عليها الشباب بدافع الحصول على الأموال، المهم أن صاحبنا المترجم الأفغاني مات منتحراً بعدما شنق نفسه في بريطانيا التي وصل إليها عبر إيطاليا قادماً مع موجة المهاجرين، وسبب إقدامه على الانتحار هو حالة الاكتئاب التي دخل فيها نتيجة المعاملة التي لم يكن يتوقعها ممن خدمهم.
هذا الشاب وغيره من الذين ساعدوا القوات الأجنبية في بلادهم، ليس في أفغانستان وحدها بل في كل الدول التي تتعرض للغزو، أو حتى تلك الدول التي لم تتعرض للغزو لكنها تقع ضمن دائرة أطماع دول أخرى، يعتقدون أن خدمتهم للبلد المحتل تمنحهم قدراً ومرتبة رفيعة عنده، ولا يعلمون أنه وبالرغم من تعاونهم معه ينظر إليهم على أنهم عملاء ليس إلا، لقد رفضت بريطانيا طلب المترجم الأفغاني بمنحه صفة لاجئ بعد أن عبر البحر وخاطر بحياته للوصول إليها، فوضعوه في نزل للمهاجرين ضم 200 شخص ينتظرون البت في طلباتهم في مدينة برمنغهام، وأشاروا عليه بالعودة إلى إيطاليا وتقديم طلب لجوء هناك، حصل هذا في بريطانيا التي تعد دولة تتحمل مسؤولياتها تجاه البلد الذي تحتله وتجاه من خدمهم، فما بالكم بالدول التي لا تتحمل مسؤولياتها؟! وما بالكم بالدول التي تنظر بدونية واحتقار لغيرها كما هو حال إيران التي تحتقر العرب حتى لو كانوا من الشيعة، فقط لأنهم عرب، ألا يفكر من يقدم خدماته لهم على حساب بلده كيف ستتعامل معه بعد أن ينتهي دوره؟ المترجم الأفغاني كان يقول لصديقه بعد رفض طلب لجوئه: «أشعر بالإهانة»، والغريب أنه لم يشعر بالإهانة عندما قدم المساعدة لقوات غازية، وكان يقول أيضاً: «أنا مستغرب من فعل بريطانيا فقد كنت دوماً أقدم المساعدة لحكومتهم وجنودهم وهذه معاملة غير عادلة»، فنقول له: لا تستغرب أنت البادي، فإن خانوك فقد خنت بلدك من قبل.

بقلم: د. فراس الزوبعي