ضجة أحدثها مؤتمر الشيشان، ذلك المؤتمر الذي جاء بإطار علمي ديني، لكنه لم يستطع أن يخفي أنه سياسي بامتياز، ورغم السخط الذي عبر عنه كثير من المسلمين على هذا المؤتمر، يبقى المؤتمر ترجمة وإجراء عملياً لمؤتمر أخطر منه سبقه بثلاث عشرة سنة.
قبل أسبوعين وقبل أن يعقد مؤتمر الشيشان كتبت مقالاً في صحيفة «الوطن» البحرينية عنوانه «الحركات الباطنية في حسابات السياسة الأمريكية»، تحدثت فيه عن المد الصفوي والحركات الباطنية وعلاقة ذلك بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وأجدني هنا ملزماً ومضطراً لإعادة ذكر حدث مهم حصل قبل ثلاث عشرة سنة، وتحديداً في تاريخ الرابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 2003، وبرعاية واستضافة من برنامج الأمن الدولي في مركز «نيكسون»، عقد مؤتمر لاستكشاف ومناقشة الدور الذي يمكن أن تؤديه الحركات الباطنية في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وجاء هذا المؤتمر بثلاث جلسات إحداها كانت سرية، وكان هدف المؤتمر تعريف صانعي السياسة الخارجية ومجتمع صناع القرار بهذه الحركات التي تتبناها أقلية في العالم الإسلامي، وكان النقاش يدور عن مجموعة من الحركات تحمل قيماً باطنية كالمد الصفوي، وقد ذكر التصوف بشكل خاص حيث أطلق عليه تسمية الجزء المهمل من الإسلام، وأشير إليه بالإسلام الثقافي، بعد ذلك نشرت مجلة «U.S.News» الأمريكية تقريراً استخدمت في ديباجته العبارة الآتية: «في جبهة غير مرئية في الحرب على الإرهاب، أمريكا تنفق الملايين.. لتغيير وجه جديد للإسلام»، وقال معد التقرير «الصوفية بطرقها الباطنية تمثل برأيهم توجهاً مناقضاً للطوائف الأصولية كالوهابية»، وورد في التقرير أمثلة على دعم أمريكا للحركات الصوفية في العالم، ثم جاءت مؤسسة «راند» بتقرير يوصي بـ«تعزيز مكانة المذهب الصوفي»، وأوصى بإجراءات منها إدراج التقاليد الصوفية في المناهج الدراسية، وشد الانتباه بقوة أكبر إلى الإسلام الصوفي، أما اللجنة الخاصة بالحريات الدينية في الكونغرس الأمريكي كانت قد أوصت في وقت سابق بتشجيع هذه الحركات داخل الدول العربية، بل وطرحتها كبديل أقوى يملأ به أرض الواقع ويحل محل دعاة الشريعة، طبعاً ليس المقصود بالتصوف أعلاه من اختار لنفسه حياة الزهد والعبادة ولزوم مجالس الذكر، وإنما المقصود الحركات الباطنية ذات الارتباطات الخفية والتي تسير وفق خطط مرسومة، واللافت للنظر في التقارير المذكورة أن اسم المملكة العربية السعودية كان حاضراً بوصفها الدولة الراعية للوهابية أو الإسلام «الأصولي» كما تصفها التقارير.
بعد كل ذلك يأتينا اليوم مؤتمر الشيشان ليكون إجراءً عملياً لمؤتمر مركز «نيكسون»، فيطرح السؤال الآتي: من هم أهل السنة؟ وكأننا بعد أكثر من 1400 سنة لا نعرف الإجابة، ولتأتي الإجابة بحصر أهل السنة بالأشاعرة والماتريدية -وهي مصطلحات لا يعرفها إلا علماء الشريعة وطلبتها- بالإضافة إلى أصحاب التصوف الصافي كما أطلقوا عليه، وفي الفقه أهل المذاهب الأربعة، وأخرج كل من سواهم من دائرة أهل السنة، والواقع أن هدف هذا المؤتمر سياسي بامتياز لأنه يريد تجريد السعودية من أقوى سلاح تمتلكه وهو قدرتها على التأثير على أكثر من مليار مسلم حول العالم من خلال السيادة الدينية التي تتمتع بها، مع أنها لم تستخدم هذا السلاح في يوم من الأيام ولم تلوح به مطلقاً.
المؤتمر بمثابة إيذان بأن المرحلة القادمة ستكون الدائرة فيها والدعم الدولي للحركات الباطنية، أما إذا تبنت الدول الإسلامية مقرراته بضغوطات أمريكية فسيشكل أزمة حقيقية في العالم الإسلامي.
بقلم: د. فراس الزوبعي