بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا على مصطلح «الإسلاميين» باعتباره توصيفاً للعاملين في مجال السياسة من الذين ينتمون لتيارات أو جماعات أو أحزاب إسلامية دينية، وبعيداً عن المقدمات، نحن نعيش حالة من رفض تزداد يوماً بعد يوم لاستمرار عمل هذه الشريحة في السياسة، رفض يأتي على لسان المسلمين الذين دعموا الأحزاب والتيارات الإسلامية لتشارك في العمل السياسي، ولست هنا لأتكلم عن الموقف المعادي لهذه الشريحة من السياسيين الآخرين غير الإسلاميين، أو من موقف غير المسلمين في الغرب والشرق، فتلك مواقف معلومة وثابتة لم تتغير، ولها أسبابها الكثيرة، وما يعنيني هنا هو الحديث عن موقف المسلمين وسبب تغيره.
لا شك في أن الإسلاميين وقعوا في أخطاء، لكنهم في النهاية كغيرهم من السياسيين يخطئون ويصيبون، وربما قلة الخبرة وعدم ممارسة الحكم «بالنسبة للذين وصلوا إليه»، سبب آخر للفشل الذي أصابهم، وعلى كل حال فإنها أخطاء تكررت عند غيرهم، يضاف لذلك محاولات خصومهم ومنافسيهم عرقلة عملهم، وهذا أيضاً يتعرض له غيرهم فعالم السياسية عالم مصالح، المنافسة فيه شديدة، وكل ذلك لا يعد سبباً رئيساً أو وحيداً لخسارة الحاضنة الشعبية الداعمة لهم.
ثمة إشكالية صغيرة تعد السبب الأهم وراء انتكاسة الإسلاميين في العمل السياسي، هذه الإشكالية لها طرفان كلاهما شريك فيها، الطرف الأول الجمهور، والثاني الإسلاميون أنفسهم، ألا وهي قضية القيم والأخلاق، بالنسبة للطرف الأول وهو الجمهور، فهذا يأتي بمعايير ومقاييس الفرد المسلم الملتزم ويطبقها على السياسي الإسلامي باعتباره سياسياً، بل أكثر من ذلك يريد تطبيقها على الأخلاق الدولية إذا ما وصلت الجماعة أو الحزب أو التيار الإسلامي إلى الحكم أو شاركت فيه، فيقيس الأخلاق الفردية على الأخلاق الدولية، وهنا سيحصل على تناقض كبير فأخلاق الأفراد لا يمكن تطبيقها على الأخلاق الدولية، وعندها ستنهار الصورة التي شكلها في ذهنه مسبقاً عن الإسلاميين، فإذا ما أضيف لها عدم تحقيق مصالح الأفراد وأي منجزات، ستحصل ردة فعل كبيرة من هذه التيارات والأحزاب وهو ما نراه اليوم.
أما الطرف الثاني وأعني الإسلاميين فهؤلاء بعضهم قدم أفراداً بناء على صلاحهم فقدموهم لموقع المسؤولية وكأنهم يقدمون لهم مكافأة متمثلة برحلة حج أو عمرة، ففشلوا فشلاً ذريعاً، والبعض الآخر يعلمون جيداً أن الأخلاق الفردية لا يمكن أن يتعامل بها في السياسة لكنهم بقوا حبيسي جمهورهم الذي يريد منهم أن يكونوا على أخلاقهم الفردية، ويخشون انتقادهم، فلا هم بقوا على أخلاقهم الفردية ولا قدموا أداء سياسياً بالقيم والأخلاق الدولية، هذا بالإضافة إلى بعض الانتهازيين الذين اتخذوا من الدين وسيلة للوصول إلى السلطة والعمل السياسي، وفي النهاية كانت النتيجة التي نراها.
الحقيقة أنه لا يمكن أن يكون العمل السياسي بدون قيم، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نطبق أخلاق الأفراد وقيمهم على السياسة والعلاقات الدولية فأحوال الأفراد تختلف عن أحوال الدول، كما أن جوهر العمل السياسي هو التقريب بين المصالح، وعلى الجمهور أن يعرف أن السياسة لا تعرف مصطلحات مثل «جيد» و«سيء» وإنما تتعامل بمصطلحات «مناسب» و«غير مناسب».
بقلم: د. فراس الزوبعي