حزب إسلامي للسلفية

قبل أياما قليلة أثار الشيخ الدكتور سامي الجنابي مسألة مهمة إذ طالب بتأسيس حزب إسلامي سلفي في العراق تجتمع فيه طاقات هذا التيار لإظهار الجانب المعتدل من الفكر السلفي المعاصر واستعادة التوازن على الساحة العراقية، متحدثا عن أهمية دخول هذا الحزب في الانتخابات، جاء ذلك في مقابلة أجرتها معه الخليج اون لاين، وهنا أود أن أعلق على هذه الفكرة ببعض السطور، متمنيا اتساع صدر الأخوة أصحاب المنهج السلفي وباقي التوجهات الإسلامية في العراق وربما في العالم أجمع.

ليست المشكلة في هل للإسلام والمسلمين ومنهم “السلفية” فكر يستحق ان يؤسس عليه حزب سياسي أو لا، فما لديهم من الحق كثير وهو بالتأكيد لا يقارن بما جاء به عفلق وقبله لينين وغيرهما من مؤسسي الأحزاب التي عملت وحكمت عشرات السنين.

لكن المشكلة الحقيقية تكمن في مسألتين رئيستين:

الاولى: عدم سماح العالم الممثل بدول وأنظمة ومنظمات عالمية وحكام ـ ومنها الدول العربية والاسلامية أيضا ـ وسياسيين علمانيين تابعين لهذه الحكومات أو غير تابعين مشتركين في السلطة أو غير مشتركين، لصعود سياسي إسلامي.

الثانية: الأداء السياسي المخيب للأحزاب الاسلامية والإسلاميين عموما، وعدم قدرتهم على استثمار نظام المرونة والثبات الذي يعد أحد أهم النظم في الاسلام… وذلك يرجع لسببين الاول عدم الخبرة وتصدر غير المؤهلين لهذا الامر والثاني خبث وعداء الرافضين دخول المسلمين في أي عمل سياسي لأنهم منافس قوي وإذا ما نجح سيضعف دور العلمانيين السياسي.

أما المسألة الأولى فترجع لسببين الاول عداء غير المسلمين، والمسلمين العلمانيين للدين الاسلامي، والثانية معرفة الغرب وحكام المسلمين بحقيقة الدين الاسلامي العابر للحدود الوطنية والقومية فتبقى هناك خشية كبيرة من توسع المسلمين بحدود دولهم التي يحكموها اذا ما وصلوا إلى السلطة ويبقى تاريخ الفتوحات الإسلامية حاضرا أمام أعينهم وتبقى مئات السنين بمئات المحاولات الفاشلة للحد من توسع رقعة الدولة الاسلامية حاضرة أيضا، وحتى لو استخدم المسلمون المرونة وفقه الواقع في العمل السياسي وتخلوا عن الفكر العابر للحدود والقومية، بل حتى لو قدموا تنازلات دون مقابل ولا تتناسب وقيم الدين فلن يقبلهم العالم ابدا وسيبقون هدفا للغرب ولغير المسلمين والعلمانيين في البلاد الاسلامية، وعملية تشكيلهم لأحزاب ودخولهم سباق الوصول إلى السلطة ما هو إلا تسهيل لوصول أعدائهم إليهم وضربهم في أسرع فرصة مثلما يحصل الان للقضاء على كل من له نفس جهادي سواء انضم لداعش أو القاعدة التي يرفضها كل الأطراف أو انضم لجماعات تدافع عن نفسها وبلادها وتنشد التحرر… وأمامكم الإخوان أفضل مثال صنعوا لهم ظروف الظهور فضربوهم وجروا أرجلهم إليهم ليسقطوهم أمام جمهورهم فلم تنفعهم لا ايران ولا أمريكا ولا بريطانيا، لكل ذلك لن يقبل في العمل السياسي الذي ينشد السلطة والإدارة كل من فيه ريحة دين الإسلام.

ولا ادري ما الدافع الذي جعل الشيخ سامي الجنابي يقدم هذه التصريحات في هذا الوقت، لعله اطلع على تقرير مجلس الاستخبارات القومي الامريكي الذي يصدر كل أربع سنوات وجاء تحت عنوان (الاتجاهات العالمية (2025) ) وتحدث عن مستقبل التيارات الاسلامية معتبرا إياها ستستمر بالصعود لاسيما التيار السلفي منها والذي يشهدا ارتفاعا كبيرا في العالم لاسيما مع تطور وسائل الاعلام، أو ربما اطلع الشيخ على النسخة الأحدث من التقرير والتي جاءت تحت عنوان (عوالم بديلة 2030) الذي تحدث عن تراجع الأيدولوجيات القومية في العالم بشكل ملحوظ وتقدم الفكر السلفي بما فيه الفكر المتشدد، فكان ذلك دافعا للشيخ وبعض السلفية ليستثمروا التوقعات الواردة في التقارير ويؤسسوا أحزابا تتولى عملية الصعود هذه؟!

بالنسبة لي اعتقد أن تقارير المخابرات هذه ليست أكثر من طعم للسلفيين ليظهروا إلى السطح بشكل واضح وبأحزاب رسمية يعرف من خلالها المرتبطين بالتنظيم بل سيقدمون كل الظروف الملائمة للسلفية ليؤسسوا تنظيما عالميا على غرار تنظيم الإخوان ليظهروا في كل مكان ويتبعوا هذا التنظيم خصوصا وان تنظيم الإخوان العالمي لم يعد مغريا لشباب المسلمين بالإضافة إلى المشاكل المحلية التي قد تصيب من ينضم إليهم في بعض الدول.

أما حقيقة الدراسات التي تعتمدها المخابرات الامريكية وصناع القرار تؤكد على أن السلفية أخطر تيار وفكر يواجهها، هذا مع “السذاجة” السياسية الموجودة عند كثير من السلفيين الذين تصدروا المشهد، ولا تنزعجوا من كلمة “السذاجة” فهذا هو الواقع.

وهنا لا أطلب من السلفية أو غيرهم من الإسلاميين أن يتركوا العمل في السياسة ويتدروشوا – مع أن الدراويش في حقيقة الواقع هم في عمق العمل السياسي – ولكن أتمنى عليهم أن يتخذوا الخيار الصحيح في هذا الوضع العالمي الذي نعيشه وعليهم أن يدركوا ثلاث حقائق:

الأولى: أن العالم يدور في فلك أمريكا وإسرائيل الآن، ولا يوجد شيء اسمه المجتمع الدولي.
الثانية: ان العالم لن يسمح لهم بالعمل السياسي الذي يسمح لهم بالإدارة والوصول إلى السلطة، لذا فالأحزاب الإسلامية مصيرها الفشل لا محال.

الثالثة: أنهم وباقي المسلمين اليوم في حالة ضعف وتشرذم وأن عوام المسلمين فقدوا الثقة بكل السياسيين إسلاميين وغير إسلاميين، وأن الإسلاميين يعيشون حالة فقدان الثقة هذه فيما بينهم.

وبما أن العمل لابد منه فالأولى أن يتوجهوا إلى الأعمال المجتمعية، وليصلوا إلى الناس فهم الأن مثقلين بجراحاتهم، والعمل على احتياجاتهم يمد جسور الثقة بينهم وبين الناس، فإذا ما حصل ذلك فسيتحولوا تدريجيا إلى جماعة ضغط تصبح أمرا واقعا بدل تأسيس الحزب السياسي، مع أن جماعة الضغط تسمى حزبا سياسيا مثل أحزاب الخضر في العالم وهي جماعات ضغط سياسية يسارية لكننا نجدها في أقصى اليمين في دول وفي الوسط في دول أخرى، تدعو لنهج سياسي يحافظ على البيئة لكنها تدعو للعدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس واحترام التعددية الثقافية وحل المشاكل وغير ذلك، وفي الواقع جماعات الضغط تؤثر وتحقق نتائج أفضل من الاحزاب التي تنشد السلطة، ولأن تأسيس جماعة الضغط بالنسبة للإسلاميين أمر صعب ولن يكون طريقه معبدا فالعالم يدرك أهميتها لكنه يبقى افضل بكثير من الذهاب لتأسيس حزب يطاح به وبأفراده ومنهجه في وقت سريع ولن يحقق شيئا… وحتى تحقيق هذا الخيار ليس بالأمر السهل ويتطلب ممن يتصدر له أن يكون له امتداد في المجتمع أولا، ويقدم على اتخاذ قرارات صعبة جدا بسببها سيتهم بالخيانة والعمالة لأنه لن يتمكن من فعل شيء إذا دار خارج الفلك الذي تدور به أنظمة العالم، ولكن هذا هو الطريق المتاح للعمل وبه يمكن أن يحقق للناس والمسلمين الخير الذي يريد وليدع المتصارعين على السلطة من أحزاب سياسية يصلوا إليها وليصل هو إلى الناس عندها لن تتمكن هذه الاحزاب من فعل شيء خارج إرادته ولن يأتي الحزب الواحد مرة أخرى ليتسلط عليهم ويعمل وفق رؤيته، فالقوة الحقيقية هي الناس خصوصا وأن قوة السلاح لن تكون موجودة عند المسلمين بعد الان واذا وجدت فستجعل من المسلمين أداة بيد من سلمهم السلاح لينفذوا له مقاولات من الباطن، ويبقى السؤال المهم هل هناك من يجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار؟

بقلم: د. فراس الزوبعي