يقال إن أحد جواسيس الولايات المتحدة في الاتحاد السوفيتي، كان مسؤولاً في الدولة، ولم تكن مهمته تسريب الأسرار، لكنه كان يختار الأغبى والأكثر جهلاً وحمقاً من بين المرشحين للوظائف والمناصب، ووضع أشخاص غير مناسبين في أماكن مهمة، حتى تكونت طبقة من الحمقى والجهال تقود البلد فساهم ذلك في انهيار الاتحاد السوفيتي.
هذه قصة يتداولها الناس ولا أعرف مدى مصداقيتها ولكن بلا شك محتواها يعد خطة عملية لتدمير أي بلد فهؤلاء يتولون عملية التدمير الذاتي، وأعرف أيضاً من فعلها ويفعلها في أيامنا هذه وبوتيرة متسارعة وعلى المدى القصير وليس البعيد، كما حصل في قصة الاتحاد السوفيتي، وذلك في العراق، وعلى يد وزير خارجيته إبراهيم الجعفري أو «كونفوشيوس»، كما يحلو للعراقيين تسميته، هذا الشخص يوم كان رئيساً للوزراء في عام 2005 وتحديداً في شهر سبتمبر أطاح بعدد غير قليل من الدبلوماسيين العراقيين بدعوى ارتباطهم بالنظام السابق، إما بالانتماء للحزب الحاكم سابقاً أو بوجود صلة قرابة بينهم وبين قيادات الدولة، فاجتث عدداً منهم وأحال آخرين إلى التقاعد المبكر، ونقل قسماً منهم خارج الوزارة. كان هناك رابط مشترك بين كل الذين أطاح بهم وهو الانتماء الديني كونهم جميعاً من السنة، ونظراً لبعض الضغوطات التي حصلت حينها لم يكمل مجزرته، لكنه عندما خرج من الحكومة ثم عاد وتولى وزارة الخارجية عاد ليدير مهمته بطريقة مختلفة، فانشغل خلال الفترة الماضية بتوظيف نصف كادر حزبه وقناته الفضائية في وزارة الخارجية، وحولهم من أشخاص دخلاء على الإعلام إلى دخلاء على الدبلوماسية، وبدل أن يطيح بنفسه بمن تبقى من الدبلوماسيين العراقيين الذين تم تعيينهم قبل احتلال العراق وتحديدا «أهل السنة» منهم وعلى أسس طائفية بحتة، طالب الآن رئيس الوزراء حيدر العبادي بتشكيل لجنة تتولى نقل الموظفين «غير المؤهلين» من وزارة الخارجية إلى الوزارات الأخرى، فشكل الأخير لجنة من المخابرات والأمن الوطني، ولهذه اللجنة حق الاستعانة بمن تراه مناسباً.
وهنا ترد مجموعة من الأسئلة، ما شأن جهات أمنية في تقييم من هو مؤهل أو غير مؤهل مهنياً في وزارة الخارجية؟ إلا إذا كانت المسألة متعلقة بتصفيات طائفية، ويدل على ذلك حق اللجنة بالاستعانة بمن تراه مناسباً، وستستعين بالميليشيات والمخبرين، وهل يقصد بغير المؤهلين الذين جاؤوا بهم من الأحزاب ودكاكين الإعلام الطائفي الإيراني ومنحوهم الدرجات الدبلوماسية دون المرور بأي دورات أو تدرج وظيفي، فمارس بعضهم عمليات تهريب السكائر إلى سويسرا ليبيعها هناك مع أنه يحمل صفة دبلوماسي، وتورط أبناء آخر بالشروع بجريمة قتل في بلغاريا لأنهم أبناء سفير؟ أم يقصد بهم أولئك الذين جاءت بهم الأحزاب التي حسبت زوراً على العرب السنة فأصبح بعضهم سفراء يجتهد أحدهم في وضع تمثال لمحمد باقر الصدر في جامعة موسكو الدولية، ويقدم آخر إعلانات وتسهيلات للجزائريين ويحثهم على زيارات دينية للعراق لا علاقة للجزائريين بها فقط ليرضوا أسيادهم الإيرانيين؟ بالتأكيد لن تشمل الإطاحة هؤلاء، المقصود أولئك الذين عينوا قبل الاحتلال ومروا بمراحل تدريبية وتأهيلية صعبة حتى وصلوا إلى هذه الوظيفة، لإفراغ الوزارة ممن تبقى من أصحاب الخبرة في المهنة.
أكتب هنا لتستعد دول العالم التي لها علاقات دبلوماسية مع العراق لاستقبال نوع جديد من الدبلوماسيين كانت لديهم خبرات طويلة في التسكع في الشوارع وجمع المخلفات، وهو أمر ليس بالجديد لأن هؤلاء دخلوا هذا السلك منذ 13 سنة، لكن الجديد أنهم سيكونون بمفردهم دون الخبرات السابقة التي كانت تشاركهم بعض العمل.
بقلم: د. فراس الزوبعي