أبدأ من حيث انتهيت في المقال السابق، لقد هيأت أمريكا أرضية وجودها الطويل في العراق، وبعبارة أخرى «روضت عدوها الوحيد الرافض لوجودها وهم العرب السنة» وكانت أداة الترويض وإنهاك القوى المستخدمة هي إيران وميليشياتها و«داعش»، فأصبح عموم العرب السنة يقبلون بأي وضع للقوات الأمريكية في العراق مقابل الخلاص من إيران وميليشياتها و«داعش»، فإن صح أن لهم الخيار فهو خيار بين شرّين، أما بالنسبة لأمريكا فقد حان الوقت لتحقيق مصالحها الكبيرة في العراق دون أن تتعرض لما تعرضت له في السنوات الأولى لغزوها للعراق، وحتى يتم ذلك لا بد من تحقيق أمرين، الأول التخلص من «داعش» والثاني التخلص من إيران وميليشياتها.
أما الأمر الأول فتعمل أمريكا الآن على تحقيقه وقواتها تقاتل الآن في الموصل وهي الفاعل الحقيقي أما الجيش الحكومي العراقي فمهمته مسك الأرض التي تطرد منها «داعش» لا أكثر من ذلك، وأما الأمر الثاني فهو قادم لا محالة لكنه ليس بالطريقة التي تتخلص بها من «داعش» فإيران وميليشياتها متغلغلة في كل مفاصل الدولة والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك ستبدأ بالتخلص من الميليشيات بعد نهاية مسلسل «داعش» في الموصل، وقادة هذه الميليشيات يعلمون هذا الأمر جيداً، ولذلك تصدر تصريحات هستيرية منهم هذه الأيام، ومنها تصريحاتهم التي أعقبت زيارة وزير خارجية السعودية إلى بغداد والتي يبدو أن محتواها لا يخرج عن الدعم السياسي والمالي «الإعمار» وارتباط كل ذلك بوجود الميليشيات من عدمه، وربما أسهل طريق لإنهاء دورهم هو إصدار الأوامر للسيستاني ليصدر فتوى بحل هذه الميليشيات بدعوى انتفاء الحاجة، كما شكلها السيستاني بفتوى، وستتولى أمريكا بعدها ملاحقة بعض قادة هذه الميليشيات أمثال هادي العامري وأبومهدي المهندس وقيس الخزعلي وكل هؤلاء تمتلك أمريكا عليهم وثائق تدينهم بجرائم حرب، لكن لا يتصور أحد أن أمريكا ستتخلص من كل الطبقة الحاكمة الحالية والتي يدين أكثرها بالولاء لإيران، فأمريكا لا تسمح بالمساس بالعملية السياسية الجارية في العراق والدستور، ولذلك ستتعامل مع الطبقة الحالية على أساس تقوية موقف من لا تتحكم إيران به بشكل كامل أو بالأحرى من تتحكم جهة أخرى به، على حساب الطرف الإيراني وستضيف لهم وجوهاً جديدة، هذا يعني أن أشخاصاً مثل المالكي ليس لهم مستقبل في الأيام القادمة فالمالكي ليس له جنسية أو موطن غير إيران، لذلك مصيره متعلق بمصير إيران، أما شخص مثل رئيس الوزراء العبادي فهذا له حظوة في البقاء حتى نهاية مدته ثم يتخلص منه بعد ذلك بالانتخابات، والسبب أن العبادي وإن كان من حزب الدعوة الذي يدين لإيران بالولاء، لكنه في نهاية الأمر بريطاني وقادة حزب الدعوة الذين يحملون الجنسية البريطانية إذا ما خيروا بين بريطانيا وإيران فلن يختاروا غير بريطانيا أو بالأحرى حبالهم بيد بريطانيا، كما أن العبادي مطيع لأمريكا ولم يفعل حتى اللحظة ما يغضبها، لكنه ضعيف وفشل في أن يكون رئيس وزراء لكل العراقيين فهو في النهاية طائفي لا يصلح لمرحلة تقبل أمريكا والمنطقة عليها وسيزاح في الانتخابات القادمة.
عملية إزاحة إيران وميليشياتها ستأخذ شهوراً طويلة وقد تكون المرحلة صعبة فإيران لن تستسلم بسهولة وميليشياتها ليس لديهم خيارات، لكن في نهاية الأمر سترحل.
بقلم: د. فراس الزوبعي