ما أشبه اليوم بالعام 1947 «4»

أمام العرب السنة في العراق خيارات، فإما أن يختاروا مقاومة الوجود الأمريكي على أرضهم، وقد فعلوا ذلك خلال وجود القوات الأمريكية خلال الفترة 2003-2011، وقدموا ما عليهم ولا شك في أن ما فعلوه هو الحق الذي تفرضه عليهم الشرائع السماوية وحتى الوضعية، لكن عملهم لم يستثمر سياسياً لصالحهم واستثمرته إيران، أما الآن وفي الوضع الحالي إذا اتخذوا الخيار السابق نفسه فلن يخدموا إلا إيران وسيجدون منها كامل الدعم، لكنهم سيفنون ما تبقى منهم، وأما الخيار الآخر فهو عدم فعل شيء وعندها سيبقون على الهامش وستعمل أمريكا على تأمين قواعدها ومصالحها، وتلجأ إلى الحلول المناطقية لتحقيق هذا الأمر، وهذا في الواقع خيار خطر على كلا الطرفين أمريكا والعرب السنة لأنه لن يأتي بحلول جذرية وسيبقى العرب السنة تحت ظلم وجور الحكومات الطائفية المتعاقبة كما أنهم سيبقون في دائرة الفقر، والواقع أن الفقر أهم الأسباب التي دفعت ترومان لإطلاق خطة مارشال لأنه تأكد أن الفقر عدو حقيقي ولا يمكن لأمريكا تحقيق مصالحها في أوروبا مع وجوده، فما بالك بفقر مع ظلم، وهناك خيار آخر وهو الخيار الذي اتخذه الألمان بعدما أدركوا واقعهم جيداً وعرفوا محيطهم فاختاروا التحالف مع أمريكا مع أنها دمرتهم قبل سنوات، لكن بديل التحالف هو جحيم السوفيت، وبعد هذا التحالف تحولوا من الضعف إلى القوة واستعادوا مكانتهم، كما حققت أمريكا مصالحها أيضاً، وكذلك فعلت اليابان التي أعادتها أمريكا بضربتيها النووية إلى مائة سنة إلى الوراء.
الوصول إلى الخيار الأخير ليس سهلاً فهناك تعقيدات في الوضع الحالي في العراق بالنسبة للعرب السنة، فإن كان الألمان قد خرجوا بمئات الآلاف أمام رايخ ستاغ يقودهم عمدة برلين ويتحدث باسمهم ويطالب أمريكا بمساعدتهم والوقوف بوجه السوفيت، فإن العرب السنة مشرذمون ونجحت إيران في جعل أغلب المشاركين في العملية السياسية الجارية منهم خدماً لها، وميليشياتها تضغط على المهجرين والنازحين منهم الساكنون في خيام الصحراء الآن، ليقاتلوا أمريكا في صفها مقابل السماح لهم بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها ووعود بإخراج بعض أبنائهم من المعتقلات، من جانب آخر لا يوجد هناك رأس يلتف العرب السنة حوله يتكلم باسمهم ويطالب بحقوقهم، كما أن جمهور العرب السنة فقدوا الثقة بكل من تصدرهم منذ 2003 وحتى الآن، واختلط المخلص منهم بمن يبحث عن مصالحه الحزبية والشخصية، وهناك أيضاً الأفراد من أصحاب الفكر والرأي الذين رفضوا الاحتلال الأمريكي وقاوموه بالكلمة، والجهات التي قاومت الاحتلال بالسلاح، كل أولئك ومع أن أغلبهم يدرك الواقع ويعرف الخيار الأسلم الذي يحقق مصالحهم ومصالح قومهم إلا أن أحداً منهم لا يجرؤ على التصريح به واتخاذ موقف واضح وصريح يتحول فيه من مقاوم إلى حليف، حفاظاً على تاريخه الماضي، وخشية من أن يشهر به نظراؤه، مع أن الواقع يؤكد بلا شك أن جمهور العرب السنة يرون في الوجود الأمريكي الآن في العراق الوسيلة الوحيدة للحد من نفوذ إيران وميليشياتها وأتباعها في العراق، وهم يرحبون بوجود القواعد الأمريكية على أرضهم بل إن أكثرهم غير مستعد حتى للتفكير وإجراء موازنة بين إيجابيات وسلبيات هذا التواجد العسكري طويل الأمد والقواعد المرتبطة به.
الأمر يحتاج إلى شجاعة وجرأة في اتخاذ القرار الذي يغير الواقع المر الذي عاشه العرب السنة والعراق بأكمله، وتحديداً قرار من أصحاب التاريخ الناصع الذين رفضوا الاحتلال الأمريكي بكل توجهاتهم، فهؤلاء سبق وأن كان العرب السنة في العراق حاضنتهم وحظوا بتأييدهم، والآن بدأ عوام الناس من العرب السنة يحملونهم سبب مصائبهم، فواجبهم اليوم أن يكونوا سبباً في حفظ أرواح الناس وأن يستعيدوا مكانتهم الحقيقية، ومن جانب آخر على أمريكا أن تتعامل مع هذه التعقيدات في الواقع العربي السني في العراق، وتبادر هي لضمهم إلى تحالفهم بما أن التحالف الآن ضد «داعش» وإيران وكلاهما عدو للعرب السنة أيضاً، وألا يتنظروا من العرب السنة أن يخرجوا إلى «رايخ ستاغ» ليطلبوا دخولهم في التحالف فهؤلاء ليس لديهم عمدة كما كان لسكان برلين.

بقلم: د. فراس الزوبعي