بداية وقبل كل شيء هناك حقيقة أتمنى على القارئ الكريم أن يعرفها جيدا، وهي أن أمريكا وباقي أنظمة دول العالم بما فيها الدول الإسلامية لا تسمح ولن تسمح لأي جهة إسلامية بالوصول إلى سدة الحكم أو حتى المشاركة الحقيقية فيه، في أي مكان في العالم، والتجارب الموجودة الآن هي تجارب وقتية لن تستمر.
سبب هذا الرفض وعدم القبول بسيط جدا وهو أن العالم على قناعة تامة بأن هذه الأحزاب والجماعات عابرة للقومية والوطنية، وحتى لو أظهر الإسلاميون عكس ذلك أو تولدت لديهم قناعة بأن يتصرفوا كسياسيين علمانيين فلن يغير ذلك من الأمر شيء ما دام العالم قد صنفهم سياسيين إسلاميين، لكن في المقابل نجد دعما واضحا للتيارات السياسية الشيعية والمنتسبة إلى الإسلام أيضا، ذلك لأن العالم لا يخشى منها لأنه يعرف مسبقا فلسفتها التي تختلف عن الفلسفة الإسلامية، ويستخدمها لحرب المسلمين.
المشكلة الأكبر أن جميع الدول المضطربة الآن مثل العراق وسوريا واليمن وغيرها برز فيها الإسلاميون بشكل لافت للنظر وقدموا أنفسهم كمواجهين للتحديات ولذلك إذا نظرنا إلى الساحة وجدنا الجهات الإسلامية هي الطاغية على المشهد، الأمر الذي صعب عملية الخروج من الأزمات والوصول إلى حلول لأن الغرب والشرق لا يريد التعامل مع الإسلاميين، ولنأخذ العراق كمثل، كل الذين تصدوا للعمل من أهل السنة خلفياتهم إسلامية إما سلفية – ومعهم بعض الإخوان المسلمين – أخذوا جانب مقاومة الاحتلال، وإما الإخوان المسلمين الذين انخرطوا في المشروع الأمريكي وقدموا يد العون للمشروع الإيراني في الوقت نفسه، وحتى أولئك لا ترضى بهم أمريكا ودول العالم ولا يريدون أكثر من استخدامهم، ولعل أحد أسباب تأخر الوصول إلى حل في العراق هو طبيعة الجهات التي تمثل العرب السنة، وقد تكون أمريكا موقنة بأن العراق لا يمكن أن يحكم بهذه الطريقة وقد تتطلع لشخص يتولى إدارة العراق من غير المنتمين للأحزاب الدينية الحالية لكنها تريده ليبراليا قويا لا علاقة له بالدين وبالجماعات الإسلامية لا من قريب ولا من بعيد، في المقابل نجد الإسلاميين يرفضون فكرة أن العالم لا يتقبلهم؛ ويريدون جني ثمار عملهم بأنفسهم، ومن هو أقرب إلى الواقع منهم على قناعة بأنه لو عمل في السياسة وفق ظروف طبيعية يمكن أن يملأ الفراغ ويكون مقبولا دوليا، وهو أمر غير صحيح، فلا العالم يقبلهم ولا حتى مجتمعاتهم التي تعرفهم جيدا تقبلهم، فبعد الذي حدث في العراق حصلت ردة فعل عكسية عند الناس من كل ما هو ديني، سنيا كان أم شيعيا، والشارع السني اليوم لا يتقبل حتى الذين قاوموا الاحتلال بل بعضهم يعتبرهم سبب مأساته.
لذا فمن الحكمة إن أراد الإسلاميون العمل وخدمة أهلهم، أن يبتعدوا عن التفكير في العمل السياسي المباشر لأنهم سيكونون هدفا ولن يسمح لهم، وعليهم التوجه لقضايا أهم تحقق المصالح العامة على المستوى البعيد كالانشغال ببناء جيل جديد على قيم الإسلام السمحة والتركيز على التعليم والأعمال الاجتماعية فهذا ما يحتاج إليه الناس وهذا ما يقربهم منهم، وهذا لا يعني ألا يكون لهم دور في الحياة السياسية، لكن الدور الأمثل لهم هو ترك الأحزاب التي تطمح للحكم أو المشاركة فيه والتوجه للمجتمع الذي تجمعهم به مصالح مشتركة وينشطون في سبيل تحقيقها من خلال التواصل مع أصحاب القرار ليحققوا المصلحة العامة، وطبعا كل ذلك يعتمد على مدى قبولهم عند الناس وما الذي قدموه لهم ليؤثروا فيهم.
بقلم: د. فراس الزوبعي