قطر وقود تركيا وإيران

بقلم: د. فراس الزوبعي

طموحات وأحلام تركيا تعتمد بشكل كبير الآن على قطر، ليست وحدها فإيران لديها طموحات وأطماع وأصبحت قطر بوابتها.

الغاز مادة الطاقة الرئيسة في القرن الـ21، وبعد إقرار اتفاق كيوتو سنة 1992 طبقت الدول الأوروبية إجراءات صارمة على نفسها للحد من تلوث الجو فضاعفت استهلاك الغاز، ويتوقع أن تضاعف استهلاكها خمس مرات خلال السنوات القليلة القادمة، بيد أن أوروبا مضطرة لتلبية احتياجاتها من الغاز من روسيا، وهو ما يضطرها إلى الصمت وغض الطرف عن سياسيات روسيا التي تختلف معها في وجهات النظر، لذلك سعت مع الولايات المتحدة لإيجاد بديل يقلل اعتمادها على الغاز الروسي ولا يجعلها تحت رحمة روسيا، أما أمريكا فتسعى لذلك لأنها تعلم أن سيطرة روسيا في مجال الطاقة حققت لها الخروج من الانهيار الاقتصادي الذي رافق انهيار الاتحاد السوفيتي وبسببه استرجعت روسيا مكانتها على الساحة الدولية كعملاق ولا تريد لهذا العملاق أن يكون نداً لها، لكل ذلك ظهرت في عام 2002 فكرة إنشاء خط أنابيب «نابكو» لنقل الغاز من وسط آسيا عبر الأراضي التركية إلى أوروبا، لكن روسيا أجهضت المشروع عندما سيطرت على غاز آسيا الوسطى فلم يعد للخط قيمة ما دامت المادة المنقولة بيد روسيا أيضاً، ومع ذلك فاجأت الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا وتركيا، روسيا بالتوقيع على المشروع وإعلانه من أنقرة سنة 2009، ولم تتوقع روسيا أن مصدر الغاز سيكون قطر، وكان من المقرر أن يمر الأنبوب من قطر عربياً عبر حلب إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، لكن سوريا كانت العقبة الوحيدة لأنها رفضت مرور الأنبوب مراعاة لمصالحها المرتبطة بروسيا.

المهم هو ما بعد الأزمة الخليجية فقد وصلت قطر وإيران إلى اتفاق بشأن مد خط أنابيب مشترك لنقل غاز الحقل المشترك بين إيران وقطر المعروف قطرياً باسم حقل القبة الشمالية وإيرانياً باسم حقل فارس الجنوبي، وينقل الغاز القطري من خلال ربطه بخط الأنابيب الإيراني إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر خط «نابكو» الذي ستلتقي فيه سلسلة خطوط من العراق وتركمانستان وإسرائيل بالإضافة إلى قطر وإيران.

ماذا ستستفيد تركيا؟

بداية تركيا تعتبر أوروبا عمقها الاستراتيجي وليس العالم الإسلامي ولذلك لم تدخر جهداً في محاولة الانضمام للاتحاد الأوروبي، ويعد ذلك هدفها الرئيس، ومرور خط «نابكو» عبر أراضيها يجعلها عقدة الغاز الأهم والأخطر في العالم، ويجعلها متحكمة في صنبور الغاز في المنطقة، وهو ما يرسخ مكانتها ويعزز دورها الأوروبي وقبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي الذي تحلم به، هذه المصلحة تغلبها تركيا على باقي المصالح وتفسر لنا موقف تركيا من الأزمة الخليجية الحالية والمنحاز بشكل واضح إلى الدوحة، ويجعلها مستعدة للتضحية باستثمارات خليجية كبيرة داخل تركيا، ويبين أيضاً سبب تعجلها في افتتاح قاعدتها وإرسال جنودها إلى الدوحة.

ماذا ستستفيد إيران؟

على الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة المستمرة معارضتها استعمال الغاز الإيراني في خطوط «نابكو» إلا أن المواقف السياسية تتبدل وفق المصالح الاقتصادية، فإيران تعد المحطة المثالية فهي ثاني أكبر الدول المنتجة وترتبط بقطر ثالث الدول وتتلقى غاز تركمانستان رابع الدول المنتجة، وإذا ما حصل ذلك فستدخل إيران في شراكة مع أوروبا وهي فرصة مثالية لتكسر الحصار الذي فرضه الغرب على اقتصادها، أما بخصوص الخلاف الخليجي الحالي فمن مصلحة إيران استمراره، لأن لديها مخاوف من التأثير الخليجي على القرار القطري الذي يمكن أن تخسر بسببه الكثير فحقل الغاز المشترك مع قطر 62% منه يقع داخل مياه قطر الإقليمية.

ماذا لو استمرت قطر في نهجها الحالي؟

الواقع وبسبب النهج السياسي القطري فقد استردت تركيا دوراً في الخليج كانت قد فقدته منذ الحرب العالمية الأولى، وهذا الدور لا يحقق إلا مصالحها وحدها، وستكون قطر بمثابة وقود المحركات الذي يدفع تركيا نحو أوروبا دون مكاسب بهذا المستوى لقطر، أما إيران فبدل إيقاف تمدد نفوذها ومكافحة إرهابها ستحصل على فرصة تنعشها وتعيدها إلى الساحة الدولية متعافية مستمرة في إرهابها.

وبالنسبة لقطر فبقاؤها بعيداً عن حاضنتها الإقليمية سيوقعها تحت رحمة إيران التي لن تتردد لحظة في ابتلاعها قبل غيرها، لكن الكرة لاتزال في ملعب الدوحة وبيدها تحقيق مصالحها ومصالح محيطها الإقليمي بعيداً عن شر إيران وغيرها.

بقلم: د. فراس الزوبعي