أحوج ما نكون إلى شرارة النار

البشر لديهم رغبة لا تقاوم في الإيمان، الإيمان بأي شيء فهذا جزء من فطرتهم، ولذلك من لم يجد ديناً سماوياً يتعبد به يخترع له ديناً وسيجد له الأتباع ولهذا نشأت الأديان الوضعية البشرية، والحاجة إلى الإيمان تستلزم وجود قضية يقدمون أنفسهم من أجلها، هذه القضية موجودة في الدين لكن ليس كل الناس يؤمنون بها وبعضهم يبحث عنها في مكان آخر، ومن يستطع أن يقدم لهم سبباً أو قضية أو يقدم لهم أفكاراً تثير من حماستهم وتجعل خيالهم وشعورهم يتفوق على الواقع، أو يصنع لهم طقوساً يؤدونها خارج دينهم أو تحريفاً لدينهم ويطلب منهم تقديم التضحيات من أجلها، فإن كل هذه الأمور ستمنح من قدمها سطوة ليس لها حدود على المؤمنين بها.

وكلما زاد عدد أتباع شخص أو نظام قدم فكرة أو قضية التف حولها الناس -وإن كانت هذه القضية مخالفة للواقع أو مجرد كذبة- فإنه في الحقيقة يصنع لنفسه طائفة من الأتباع وكثرة الأتباع هذه تفتح لصاحبها باباً واسعاً لأنواع الخداع وسطوة كبيرة عليهم، وهذا ما يدفع الأتباع ليس فقط لتمجيده وإنما لصد الأعداء عنه وكسب آخرين لصالحه، وإذا ما وصل إلى هذه المرحلة فلن يتمكن فقط من التحايل عليهم في تنفيذ ما يريد وإن كان مخالفاً للواقع لكنهم سيفعلون كل ما يتمنى بتقديس ويجعله في عيونهم منزهاً عن الخطأ، ومع ذلك لن يكفي كل ذلك لدوام السطوة على الناس ما لم يصنع لهم عدواً يجمعهم على بغضه.

أما خداع الجماعة فهو أسهل من خداع الفرد ويأتي بنتائج أفضل للسطوة، فلو تحدث المشعوذ مثلاً مع كل فرد على حدة لرأوا أن كلامه أسخف من أن يصدق، لكن وسط الحشود الضخمة الإنسان تأخذه النشوة بحضور الجماعة ولا يريد أحد منهم أن ينأى بنفسه عن الجماعة وأي خلل يذكره المشعوذ يضيع بحماس الجماهير.

هذا ما فعلته إيران للسيطرة على جموع كثيرة في الداخل والخارج الإيراني مبتكرة لهم طقوساً يمارسونها وقضايا زائفة يقدمون أنفسهم من أجلها، لكن كل هذا يبقى محفوفاً بمخاطر أهمها هو أن تكتشف الجموع زيف الأفكار التي تؤمن بها واستغلالها من قبل فرد أو جماعة أو نظام، وعندها لن يواجه هذا الشخص أو النظام فرداً واحداً بل جموعاً غاضبة تمزق من خدعها بنفس الحماس الذي أطاعته به.

المشعوذون والسحرة على مر التاريخ فعلوا الشيء نفسه مع الجمهور لكنهم كانوا على استعداد دائم لهجر المدينة أو القرية التي يعملون بها بمجرد أن يتعرف السكان على فسادهم وزيف أفكارهم ومن يتأخر في البقاء منهم يفقد حياته، فمن يتلاعب بالجموع يكون كمن يتلاعب بخزانات البنزين أقل شرارة تنهي وجوده، الشرارة هذه يحتاجها كل من تتدخل إيران في شؤونه وتهدد أمنه، فأخطر ما يمكن أن يواجهه النظام الإيراني هو أن يكتشف الملتفون حوله زيف القضايا والطقوس التي قدمها لهم، عندها لن يحظى هذا النظام بفرصة التي يمكن أن يحظى بها الساحر أو المشعوذ عندما يهجر القرية أو المدينة فهو نظام حاكم وليس فرداً.

بقلم: د. فراس الزوبعي