أيام ساكسونيا

ساكسونيا إحدى ولايات ألمانيا، كانت في العصور الوسطى مقاطعة لها حاكمها وقوانينها، وقد ذهبت قوانين ساكسونيا مثلاً بين الناس بعد أن باتت من أغرب ما ابتدعه العقل البشري، فالقوانين نصت على عقوبات صارمة بحق المجرمين، لكن آلية تنفيذها وتأويل طريقة التنفيذ كانت مرنة حد الاستخفاف بعقول البشر، فمثلاً إذا كانت عقوبة الجريمة هي الإعدام بقطع الرأس، فينظر إلى المحكوم بالجرم إن كان من عامة الشعب فتنفذ العقوبة حرفيا ويقطع رأسه، وإن كان من طبقة النبلاء وعلية القوم، فيدعى النبيل المجرم إلى ساحة بعد شروق الشمس أو قبل غروبها حينما يستطيل الظل، ليقف المجرم شامخاً مرفوع الرأس مبتسماً، عندما يهوي الجلاد بالفأس على ظل رقبته، وتنفذ هذه المهزلة وسط تصفيق الناس وفرحهم بتطبيق العدالة، بعدها يذهب المجرم إلى بيته كأن شيئاً لم يكن.

كان ذلك في الغرب في أيام يسميها الغرب نفسه بالعصور المظلمة أو العصور الوسطى، لكننا في عالمنا العربي والإسلامي لم نعش مثل تلك الأحداث، بل على العكس تماماً، فتلك الحقبة الزمنية كانت تعرف عندنا بالعصور الذهبية لقد سادت العدالة والأمن والرخاء خلالها، ومع ذلك عندما نتحدث عمن يعمل على تخلفنا فنقول: «إنه يريد إعادتنا إلى العصور الوسطى» مع أننا لم نكن فيها يوماً، لكن لا يوجد مثل أسوأ منها ليضرب.

ومع ذلك تبقى إبداعات العقل البشري لا حدود لها، فإذا كان في ساكسونيا قانوناً يجرم القتلة وناشري الرعب والفساد، لكنه لا يطبق على الجميع، فقد وجدنا اليوم أنظمة تضع القوانين للجريمة نفسها، وتنظم وجود العصابات تحت ظل الدولة والقانون، هذه هي سياسة إيران في كل الدول التي سيطرت عليها فعصاباتها تعمل وتقتل وتنتهك القوانين بالقانون نفسه وتحت ظل دولته، أما السراق واللصوص فلا يؤتى بهم في مكان عام ليعدم ظلهم كما في ساكسونيا قديما، وإنما يتركون ليفعلوا ما يشاؤون حتى إذا اختلف اللصوص فيما بينهم واضطروا لمحاكمة أحدهم فيمهل حتى يخرج كل ما سرق إلى الخارج ثم يغادر البلاد لترفع بعده القضايا وإذا ما أدين بها – مع قلة ممن من أدينوا – فعندها يكون المجرم في أحد قصوره في لندن أو غيرها ليتمتع بتقاعده، وبذلك يكون قد منح رؤسائه في الحكومة فرصة التباهي في مكافحة الفساد، بعدما ترفع القضايا في المحاكم دون جدوى، ويحرم الناس من منظر الجلاد وهو يقطع ظل رقبة المجرم.

مع كل ذلك مازلنا نقول «أعادوا الدول التي سيطروا عليها إلى القرون الوسطى»، فعندما ذهبت قوانين ساكسونيا مثلاً لم يتوقع أحد أن هناك من سيذهب أبعد منها.

* معلومة:

تتمتع ساكسونيا الآن بأعلى نسبة نمو اقتصادي بين ولايات ألمانيا.

بقلم: د. فراس الزوبعي