عرف الفرس بالمكر والخداع منذ زمن بعيد، ووظفوا ذلك في علاقاتهم وعملهم السياسي، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لأبي عبيدة عندما أرسله إليهم: «إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة، تقدم على قوم قد جرؤوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه، فانظر كيف تكون».
يقابل ذلك المكر حكمة عربية جسدها شعرهم وحملتها قصصهم ومآثرهم وتحلى بها ملوكهم.
إمبراطورية فارس التي فتحها المسلمون لا تختلف كثيراً عن إيران الحديثة، فالأولى توسعية والثانية تسعى لاستعادة مجد الأولى وتوسيعها، وهذا هو هدفها ومشروعها الحقيقي، أما الفكر الديني الذي جاءت به فهو سلاحها الذي حاربت به المسلمين، وهو القطار الذي ركبته ليحمل مشروعها ويوصلها إلى هدفها.
مكرها هذه المرة قادها للانتفاع من آخر صيحات عالم الإدارة والاستراتيجية التي توصل علماؤها إلى أن وضع الخطط والاستراتيجيات طويلة الأمد غير مجدية وغير ضرورية في عالم تتغير فيه الأوضاع على مدار الساعة، فالتهمت إيران أصنام أدبياتها التي صدعت بها آذان العالم ومواطنيها لأكثر من ثلاثين سنة وراحت لتتفاهم مع «الشيطان الأكبر» و«قوى الاستكبار العالمي» وانتهجت منهجية تقوم على القاعدة السياسية التي تقول: لا يوجد في السياسة أعداء دائمون، كما لا يوجد أصدقاء دائمون، ظهر ذلك في شكل التحول الأخير في إدارة ملفها النووي، وهذا شأنها ودأبها.
مشكلتنا نحن العرب تكمن في غياب مشروعنا وهدفنا مقابل هدفهم ومشروعهم، وسياساتنا في الغالب تعتمد رد الفعل لا الفعل، كما إننا نضع بيضنا في سلة واحدة، فإذا ما حصل متغير في عالم السياسة شغلنا بالحفاظ عليه.
العرب اليوم يبحثون عن الحلول للخروج من عنق الزجاجة، وإذا كان المكر الفارسي قادهم للانتفاع من آخر صيحات علم الإدارة، فمن الأولى أن تقودنا الحكمة العربية للانتفاع من النظريات الحديثة في علم الإدارة والتعامل مع الأزمات.
وللخروج من عنق الزجاجة لابد لنا من التفكير خارج الصندوق الذي وضعتنا فيها أمريكا وحليفتها إيران، ولعل التفكير بهذه الطريقة يقضي بكسر الزجاجة نفسها.
العرب قادرون على مواجهة التحالفات التي تقام ضدهم، والمكر الذي يقصد من ورائه الاستحواذ على البيض الذي وضعوه في سلة واحدة، وتوظيف الحكمة في السياسة العربية أمر لم يتوقف على أسلافهم، ولعل أقرب وأوضح مثال ما حصل في البحرين من أحداث شغب وغوغاء منظمة ومخطط لها، كان الهدف من ورائها الإطاحة بنظام الحكم وإلحاق البحرين بالمشروع الإيراني، أحداث سخرت لها إيران كل إمكاناتها وعملت على تحقيقها مؤسسات دولية تابعة أو حليفة لها، إلا أنها وبفضل الله فشلت، ومن يطلع على حجم المؤامرة والتخطيط لهذا المشروع وأدوات تنفيذه، يدرك مدى الحكمة التي تعاملت بها قيادة البحرين مع الأحداث.
فإن كان المكر فارسياً فالحكمة عربية.
بقلم: د. فراس الزوبعي