في سنة 1963 تأسس في كندا حزب اسمه حزب الكركدن أو وحيد القرن، وبقي هذا الحزب يعمل لثلاثين سنة متواصلة حتى توقف في عام 1993، لكنه عاد إلى العمل سنة 2007 كحزب سياسي مسجل بشكل رسمي في مديرية الانتخابات الفيدرالية، الحزب استقطب شخصيات فنية ومشاهير وخاض معظم الانتخابات البرلمانية بعدد من المرشحين في ولايات عدة، إلا أنه لم يحصل في تاريخه على مقعد واحد في البرلمان، وأفضل نتيجة حصل عليها الحزب في الانتخابات كانت 0.79% من أصوات الناخبين، وقد حصل عليها زعيم الحزب فرانسوا غورد، هذا يعني أن الكركدن لم يدخل البرلمان ولا الحكومة.
الحزب له شعار غريب وتعهد وأهداف أغرب، فقد كان شعاره: «نعدكم بألا نوفي بوعودنا»، أما تعهداته فكانت تعهداً بخصخصة القوات المسلحة الكندية، وآخر بتأميم «تيم هورتونز» عملاق المقاهي والوجبات السريعة في كندا، فهم يعتبرون سلسلة المقاهي هذه رمزاً كندياً، وأما أهداف الحزب فكانت، إعلان الحرب على بلجيكا، وإلغاء قانون نيوتن للجاذبية، وإجراء تعداد للجزر الكندية للتأكد من عدم سرقة الولايات المتحدة لأي منها!
سمي الحزب بهذا الاسم واتخذت صورة الكركدن رمزاً له، لأن لحيوان الكركدن جلداً سميكاً يتحمل الإهانات، وخطوات بطيئة، لكنه إذا شعر بالخطر ركض سريعاً، وله قرن قوي يقضي به على من يقف في طريقه، هذه هي فلسلفة مؤسس الحزب، لكن في النهاية يبقى هذا الحزب هو حزب مهرجي الانتخابات هدفه مهاجمة رئيس الوزراء والسياسيين، وحقيقة لم يكن الحصول على مقعد في البرلمان هدفاً جدياً له بقدر ما كان هدفه الحقيقي التعبير عن التهكم والسخرية بالسياسيين.
إذا كان مجرد التصور أن حزباً كحزب الكركدن هذا بأهدافه وشعاره وتعهداته مشارك فعلاً في البرلمان وله نواب ووزراء، هو أمر فظيع فما بالك ببلد كل أحزابه على هذه الشاكلة وتشكل فيما بينها تحالفاً يصح تسميته «تحالف الكركدن» لتشكيل حكومة وإدارة الدولة.. فلا شك في أنها كارثة، ليس هذا مستغرباً ولا ضرباً من الخيال فالنظام السياسي في العراق منذ عام 2003 وحتى اللحظة تسيره أحزاب وتحالفات الكركدن، جميعها طبق شعار «نعدكم بألا نوفي بوعودنا»، دون رفعه، خصخص المؤسسة العسكرية والأمنية وجعل المسيطرين على القرار فيها من أعضاء هذه الأحزاب وجمهورها فقط، لم يترك مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة وحتى القطاع الخاص تنتج، وغير ذلك مما يعرفه القارئ ولا حاجة لتكراره فالسلبيات أكبر من أن تحصر، نظام وأحزاب أثبتوا أن لهم جلد الكركدن السميك يستمعون إلى إهانات شعبهم والعالم ولا يتأثرون بل يطالبون شعبهم بانتخابهم مرة أخرى، ليسوا بطيئين في الحركة إنما لم يتحركوا خطوة واحدة إلى الأمام خلال 15 سنة وكانت خطواتهم إلى الوراء، لكن أحدهم إذا كثرت ملفات فساده وجدته أسرع من الغزال في العدو إلى خارج البلد، يمتلكون ميليشيات وعصابات كما يمتلك الكركدن قرنه يتخلصون بهم من الذين يقفون في طريقهم. يقف الشعب العراقي بعد أسابيع أمام صناديق الاقتراع ليجد نفسه أمام قوائم انتخابية ملؤها رمز الكركدن، ليبقى السؤال ألا يوجد غيره، ولم لا يكون للعراقيين خيار آخر؟!
بقلم: د. فراس الزوبعي