في أواخر عام 2011 وصلتني دعوة من قسم اللغة العربية بجامعة كيرلا في الهند، للمشاركة في مؤتمر علمي تعقده الجامعة، فقررت المشاركة وكتبت ورقتي العلمية التي شاركت بها، وفي شهر فبراير من السنة التالية غادرت إلى ثريفاندروم -الاسم الجديد لكيرلا- في الهند.
شارك في هذا المؤتمر علماء وأساتذة من مختلف دول العالم ومن داخل الهند أيضاً، كان حضور الجزائر متميزاً جداً فوجدت أعداداً كبيرة من الأساتذة من مختلف الجامعات الجزائرية بما فيها جامعات نائية، وسألتهم عن سبب هذه الوفرة، فذكروا أن الحكومة الجزائرية ممثلة بوزارة التعليم تتكفل بنفقات المشاركة في المؤتمرات، ليس هذا فقط بل هناك مراجعة مستمرة لملفات الأساتذة ومن لا يشارك منهم في مؤتمرات خارجية تسجل نقاط ضده، فأكبرت هذا فيهم، كذلك كان الحضور السعودي متميزاً للسبب نفسه ثم عدد من باقي الدول العربية ممثلين لجامعات ومؤسسات دولهم، إلا الباحثين من العراق فقد كانت مشاركة عدد منهم تمثيلاً لجامعات ومؤسسات غير عراقية بعد أن بات بلدهم طارداً للكفاءات والخبرات.
استمرت جلسات المؤتمر أربعة أيام تنقلنا خلالها بين أكثر من خمس قاعات بدءاً من قاعة الجامعة الضخمة والحديثة ووصولاً إلى خيمة أعدت لهذا الغرض، لقد تفنن الهنود في كسر الروتين وبعد انتهاء الجلسات يومياً كانوا يأخذوننا إلى ساحات عامة تقام فيها المهرجانات المختلفة على هامش المؤتمر.. مهرجان للكتاب وآخر للطب، وثالث للفنون الشعبية وغيرها، الأهم من ذلك أن جلسات المؤتمر لم يقتصر الحضور فيها على العلماء والأساتذة بل ضم فئات من المجتمع وكذلك المهرجانات فأيقنت أن الجامعة ناجحة كونها استطاعت الوصول إلى المجتمع وجعلته متفاعلاً معها، فالعدد الأكبر من العاملين في تنظيم النشاطات كانوا متطوعين من داخل مجتمع تلك الولاية، وهذا ما لا نجده في جامعاتنا العريقة.
* دروس نحتاجها
خلال مدة المؤتمر وفي اليوم الأخير الذي كان رحلة لأحد المنتجعات على المحيط، ومن خلال الحديث مع مرافقينا انتبهت بشكل واضح إلى قضية التعايش مع الحفاظ على الهوية، فكان المسلمون معرفين في الشوارع من خلال زيهم وسلوكهم وكان إصرارهم على عقد المؤتمر جزءاً من الحفاظ على هويتهم الإسلامية في مجتمع متنوع، وغيرهم من الهندوس والمسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى يحترمون هوية المسلمين وربما قدموا خدمات لإنجاح المؤتمر، وفي المقابل تجد المسلمين حريصين على عدم التجاوز على خصوصية غيرهم فمع أنهم كانوا يلبون كل طلباتنا إلا أنهم اعتذروا بشدة وطالبوا عدداً من الأساتذة بعدم الاقتراب من الفيلة في الشوارع ومحاولة التقاط الصور معها لأنها مقدسة عند غيرهم ولا يجوز التصرف بأي طريقة تظهر فيها الاستهانة بمقدسات غيرهم، وهكذا كانوا في كل موقف، وهذا الأمر لم أجده للأسف عند بعضنا حتى خلال جلسات المؤتمر، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تصرفات بعض المشاركين مع بعض، للأسف لم نتعلم من الهنود احترام خصوصية الآخرين.
بقلم: د. فراس الزوبعي