جمهورية الحرائق

سمعنا مما قالت العرب أن: آخر العلاج الكي، لكن في جهورية الحرائق هناك مفهوم مختلف للكي، فقد تطور الكي ليصبح حريقاً وبدل أن يكون آخراً صار أولاً، ولذا فأول العلاج حريق، لا يراد بالعلاج هنا حصول العافية وإنما التستر على مصيبة.

منذ أن احتلت أمريكا العراق وأصبح لإدارة الدولة مفهوم آخر فثقافة الحكام الذين جاءت بهم مختلفة، ومع بداية توليهم الحكم بدأت تنتشر ظاهرة غريبة على البلد وهي الحرائق في الوزارات والدوائر الرسمية، الغريب أن هذه الحرائق كانت تلتهم أقساماً محددة في تلك المؤسسات وهي أقسام العقود فقط، وكأن العقود مغرية للنار فتذهب لالتهامها، وعلى ما أتذكر -إن لم تخني الذاكرة- أن أول حريق كان في وزارة النفط التهم طابقاً كاملاً من مبنى الوزارة وكان طابق العقود ثم توالت حرائق الوزارات ومؤسسات الدولة بما فيها وزارة الداخلية المسؤولة عن إطفاء الحرائق! كل الحرائق بينها عوامل مشتركة منها أن البنايات كلها محصنة وفي أماكن تخضع لحراسات مشددة كما أن الحرائق تأتي مباشرة بعد إثارة قضية فساد فتحترق القضايا باحتراق الأوراق، وكل الحرائق ينتهي التحقيق فيها بأن السبب تماس كهربائي! في بلد يراقب فيه الناس الكهرباء مراقبتهم لهلال العيد، كما أن جميع الحرائق إما التهمت أوراق عقود رسمية أو أجهرة كمبيوتر تخرن فيها معلومات أمنية أو قضايا تمس ما يسمى بسيادة الدولة.

إلا أن آخر حريق يعد الأكثر إثارة للجدل وهو الحريق الذي التهم مخازن مفوضية الانتخابات وأتلف أوراق اقتراع الناخبين، وهم ناخبو جانب الرصافة من بغداد، حصل هذا الحريق قبل أيام قليلة بعد قرار مجلس القضاء الأعلى في العراق بإعادة فرز الأصوات يدوياً على إثر فضيحة تزوير كبيرة في الانتخابات العراقية التي جرت قبل أسابيع، فهل سيمر هذا الحريق مرور الكرام كما مرت الحرائق السابقة؟

واقع الأمر هنا مختلف بشكل كبير فهذه المرة لم يحصل الحريق ليتستر على جريمة فساد وعبث بأموال الدولة والكل شركاء بالنهب والسرقة فيتستر بعضهم على البعض الأخر ويقدم أحدهم خدمة للآخر، الحريق هذه المرة حصل ليتستر على جريمة تزوير الانتخابات وهذا يعني أن الشركاء بدأ بعضهم بسرقة البعض الآخر، وأي سرقة؟! إنها سرقة الوجود من عدمه فسرقة الأصوات هذه تحدد وجود كل جهة في قيادة الدولة، كما أنها ليست جهات سياسية عادية إنما هي جهات مسلحة دخلت عالم السياسة، وبدأ بالفعل يهدد بعضها البعض الآخر ويلوح بحرب أهلية، خصوصاً وأن الموضوع خرج من يد مفوضية الانتخابات المتهمة بالتلاعب أو التستر، ولا أحد لغاية الآن يمكنه توقع القادم.. فهل ستتدخل الأمم المتحدة وهل ستلغى نتائج الانتخابات هذه وما هو رد فعل الجهات السياسية المسلحة التي ستفقد مقاعدها؟

بقلم: د. فراس الزوبعي