جودي بن جذع، بغدادي بسيط من عوام الناس، يشتغل بالحجار والجص يسموه أهل بغداد (النگاب)، جودي تزوج بنت عمه اسمها حسناء، وحسب ما يذكرون كانت حسناء اسم على مسمى، وبيوم عزموها بعرس صار بمحلتهم، راحت حسناء حتى تشوف العروس، فتفاجأت لأنها كانت مرأة كبيرة في السن وقبيحة المنظر، ومع ذلك كانت لابسة أنواع الذهب والمجوهرات، فسألت أمها: يمـــه، منين هالبومة؟
قالت: هذي عروسة فلان
ـ فلان شنو شغله بحيث جاب كل هالذهب؟
قالوا لها: يشتغل خياط.
رجعت حسناء للبيت، ولما رجع جودي استقبلته بوجه عابس، فاستغرب.. خير ام الويلاد شبيچ؟!
قالت له: لو تشتغل خياط لو تطلگني!
يابنت الحلال، عدلي.. بدلي؟
قالت: أبد.. ما يصير
يا معودة.. وتالي؟
لو تصير خياط وتترك شغل الجص والحجر لو آني عايفتك!
سلم جودي أمره لله، وأجر دكان بسوگ السراي واشترى أدوات الخياطة، وگعد ينتظر المشترية، وإذا بأحد (الأرناؤوط) – الأرناؤوط من ألبانيا – مفتول الشارب، شايل بيده طاگة قماش من النوع الفاخر، گال لجودي بخشونة: هــاك.. فصل هذي الطاگة صاية.
جودي گال له: هذي ما تصير صاية
گال له: لعد فصلها بالطو
گال له: ما تصير بالطو
ـ لعد سويها زخمة
ـ كال له: ما تصير زخمة – طبعا هي تصير كل شي بس جودي كل شي ما يفتهم بالخياطة –
انزعج الأرناؤوط وصار عصبي، وصاح على جودي: لعد شتصير ما تگلي شتصير؟!
گال له: مولانا هاي ما تصير إلا سابل – السابل من لوازم الحمار اللي يشيل الحمل وهو الحزام الخلفي وهذا على نوعين، نوع يخيطوه من الگواني ونوع من الخوص – طبعا جودي يعرف يخيط السابل لأن شغله بالجص يتطلب هذا.
ولما كان الأرناؤوط ما يعرف شنو السابل وأي نوع من الملابس هو، قبل وگال له خيطه سابل.
جودي گال له: تعال باچر وأخذها حاضرة محضرة.
ثاني يوم جا الأرناؤوط وسلمه الخياط السابل، فثار عليه وگال له: ولك شنو هاي.. ليش آني زمال؟!
ـ گال له: مولاي هذا اللي أگدر عليه وأعرفه.
صارت مشكلة وتضاربوا وراحوا للقاضي، وبعد ما سمع القاضي كلام الأرناؤوط، گال جودي: مولاي.. آني متزوج بنت عمي وحكمت علي اشتغل خياط وآني شغلي نگاب، وقررت تطلگ إذا ما طعتها، فصرت خياط وآني أجهل هاي الشغلة، وأول زبون جاني هذا الأرناؤوط، حاولت أبعده أصر إلا أفصل له القماش، ولما بقى يلح، گلت له هذا يصير سابل لإن آني ما أعرف أخيط غير السابل، وفصلته على هذا الأساس، هاي قصتي وانت احكم علي باللي تشوفه.
ضحك الحاكم من قصته ودفع من جيبه الخاص قيمة القماش للأرناؤوط، وگال: ((كل من بكاره بصير))
آآآآخ… بس لو أعرف هذوله اللي تركوا كارهم واشغلوا بالسياسة بالعراق، هم عندهم حسناء جبرتهم يتركون كارهم ويشتغلون بالسياسة والإدارة؟!
د. فراس محمد