بين حربين

محاربة الإرهاب.. مظلة كبيرة وحجة لحربين شنت على الأنبار في وقتين ومن طرفين مختلفين، وبين هذه وتلك مستنقع لا يسهل الخروج منه.
عندما شنت أمريكا حربها على الأنبار أيام الاحتلال كان ذلك تحت عنوان محاربة الإرهاب ومواجهة مسلحي تنظيم القاعدة، فقتلت واعتقلت ونسفت ودمرت ووجهت عملياتها تجاه التنظيم والأهالي والمقاومة أجمعين، إلا أنها لم تكن تتوقع حجم الخسائر التي تكبدتها قواتها في محافظة صحراوية ذات أرض مستوية مكشوفة، فرغم كل أطنان القنابل التي ألقتها هناك، والعمل الاستخباري والتكنولوجيا المتقدمة تبقى خسائرها في العراق الأكبر في هذه المحافظة التي باتت كابوساً يخيم على كل جندي أمريكي قاتل فيها، لدرجة أن الجنود الأمريكيين كانوا لا يخرجون في عمليات قتالية أو مداهمة للمنازل أو السير في دوريات إلا بعد ارتدائهم حفاظات «البامبرز»، نعم.. ليست هذه مزحة فهذا ما شهد به بعض أهالي المحافظة من الذين شاهدوا بأعينهم إلقاء الجنود لهذه الحفاظات من نوافذ سياراتهم، فالشعور بالخوف والرعب لا يسمح لهم بقضاء الحاجة في مكانها، وقتها دخل الجيش الأمريكي مستنقعاً لم يتمكن من الخروج منه إلا بعد أن ضاق أبناء العشائر ذرعاً من تصرفات مسلحي القاعدة التي استهدفتهم، فاستنجد الأمريكيون ببعض الشخصيات العشائرية هناك ودفعوا أموالاً طائلة لتشكيل مجالس الصحوات التي تولت الحرب على القاعدة وطردتها من الأنبار. وكذلك اليوم، شنت الحكومة العراقية حربها على أهل الأنبار وعشائرها باسم قتال «داعش»، لكنها فوجئت بنتائج غير متوقعة وكانت بوادر هذه الحرب مفزعة، وشاهدنا على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي صوراً لبعض أفراد الجيش وهم يسلمون أنفسهم لثوار العشائر ويخلعون ثيابهم العسكرية ليرتدوا الثوب العربي بدلاً عنها، وعادت الأنبار كابوساً على من يعتدي عليها، لكن هذه المرة الكابوس يلاحق جيشاً لا يمتلك التجهيز والخبرة والقدرة القتالية والتكنولوجيا التي امتلكها الجيش الأمريكي، كما إن الحكومة لا تواجه في حربها «داعش» كما تدعي بل هي أمام أبناء عشائر المحافظة كلهم، وليس لـ «داعش» وجود حقيقي كما تدعي، كما إنها لم تحصل على الدعم العالمي الكامل الذي حصلت عليه أمريكا في الحرب الأولى، فالاتحاد الأوروبي برلمانه يعد هذه الحرب إبادة جماعية تحت غطاء مفترض لمحاربة القاعدة.
ومع عمل الحكومة العراقية بالنصيحة الأمريكية لتكرار تجربة الخروج من المستنقع بالاستعانة بالصحوات يبقى الموضوع هذه المرة مختلفاً، فاستخدام هذه الطريقة من قبل الأمريكيين رافقه وجود حقيقي للقاعدة ورفض من الأهالي لهذا الوجود، أما الحكومة اليوم فإن عدد الصحوات التي تستخدمها قليل جداً بالمقارنة مع ما استخدمته أمريكا كما إن هذه الصحوات تدخل في مواجهة مع العشائر نفسها وليس الغرباء فكيف ستخرج الحكومة نفسها من مستنقع أعمق من ذي قبل دخلته بنفسها؟

بقلم: د. فراس الزوبعي