عندما يعبث الغوغاء

التحول في مسألة التعبير عن الرأي من التظاهر السلمي إلى أعمال الشغب، يصاحبه بالضرورة تحول في التوصيف من المعارضة السياسية إلى الغوغاء.
إن ما حدث في الأيام الماضية من انتشار لجموع سعت لمواجهة الدولة بحمــل الســلاح وإتلاف المال العام، معتمدة الإرهاب سلوكاً، عمل لا يمكن وصفه بحال من الأحوال بالمعارضة السياسية، وأقل ما يقال عنه إنه عمل غوغائي تقف خلفه زعامات مزيفة تستغل الجموع للوصول إلى مآربها، هذه الجموع لا تنم أفعالهم عن دراية ووعي، فهم صبية وشباب غسلت أدمغتهم لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على إدراك عواقب أفعالهم وتنازلوا عن الإنسانية ليشابهوا الجراد الذي حمل معنى الغوغاء عند زحفه على المزارع ليحولها خلال دقائق إلى أرض جرداء، وكذلك هم عندما ينتشرون فجأة في أحد الشوارع فتراهم يعطلون ويخربون خلال دقائق، فاستحقوا بأفعالهم هذه وصف الغوغاء بعدما برمجت عقولهم نحو هدف يعدونه غاية قصوى ألا وهو التخريب.
الأعمال الغوغائية هذه شهدت مؤخراً تصعيداً خطيراً راح ضحيته أحد رجال الشرطة المؤدين لأهم واجبات الدولة المتمثلة بتوفير الأمن، استهداف رجال الأمن والتجرؤ على قتلهم مؤشر خطير كونه يرتبط بهيبة الدولة التي هي أهم أركانها، والهيبة تتحقق في نفوس الناس بأحد أمرين إما بالاحترام النابع من الشعور بالتقدير لما تقدمه الدولة، وهو ما ينتج عنه الالتزام بالنظام، ولا شك أن هذا العنصر هو الذي حقق هيبة مملكتنا في نفوس أهلها، أو أنها تأتي من الشعور بالرهبة والخوف مما سيلقاه الإنسان من عقاب رادع من الدولة إن هو تحداها أو انتهك نظامها وأخل بأمنها، وهذا عنصر يصنع الهيبة في نفوس المنحرفين وغيرهم ممن لا يقيمون لأعمال الدولة وزناً.
إن عملية استهداف الشرطة بالقتل يقصد من ورائها التأثير سلباً على زملائهم، ذات مرة حدثني أحد الطيارين العسكريين في إحدى الدول العربية عن تحديث أجري على نوع من الطائرات الروسية بتغيير مقعد الطيار بمقعد النسخة الأحدث من الطائرة وكان تحديثاً ناجحاً في كل الطائرات، وفي صباح يوم من الأيام وعند طيرانه في سرب روتيني احترقت طائرة زميله بسبب خلل في الطائرة، هذا الحريق استوجب أن يقذف الطيار بنفسه من الطائرة، لكن المقعد لم ينفصل عن الطيار ولم تفتح المظلة فتوفي أمام أعينهم، شكل هذا الأمر حاجزاً نفسياً لدى زملائه الذين يقودون ذات الطائرات المحدثة، لا يختلف هذا الحال من حيث النتيجة على رجل الأمن الذين يفقدون زملاءهم على أيدي الغوغاء.
لا أعلم دولة اعتمدت سياسة الحكمة وضبط النفس مع الغوغاء والمخربين كما اعتمدتها البحرين، لكن على هؤلاء المدفوعين الذين لا يقدرون عواقب أفعالهم أن يعلمـوا أن هــــذه السياســـة لا تعنــي عــدم ملاحقتهــم خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بهيبة الدولة وسيادتهــا.

بقلم: د. فراس الزوبعي