غزة ليست كغيرها من المدن، فسطحها مليء بمبانٍ إسمنتية متزاحمة، بداخلها عشرات آلاف المقاتلين ومئات آلاف المواطنين وضعوا الموت على رأس قائمة حساباتهم، وباطنها متاهة من الأنفاق، لذا فالحرب فيها ليست كغيرها من الحروب.
كثيراً ما حرص الكيان الصهيوني على استغلال أي شرارة ليشعل حرباً ضد الفلسطينيين يرتكب فيها أفظع الجرائم، ويجعل منها مناسبة لقياس تطور وسائل المقاومة التي يكتشف في كل مرة زيادة فاعليتها، وهذا ما أكدته حربه الحالية على غزة من خلال مدى الصواريخ التي استخدمت، وهذا يعني أن فترة ما بين أي حربين تستثمرها المقاومة لتطوير قدراتها ولا تكون استراحة محارب.
بالعودة إلى شرارة الحرب الجارية على غزة الآن نجد أن رد الكيان الصهيوني مبالغ فيه، فخطف المستوطنين الثلاثة كان في الخليل ولم يكن في غزة، كما أن المقاومة لم تتبنَ العملية، وقد افترض الكيان الصهيوني ذلك، طريقة الرد تنبئ عن تخطيط مسبق ربما المقصود منه اجتياح غزة بالكامل،
لاسيما وأن الفترة الماضية شهدت تهديدات بذلك على لسان مسؤولين عسكريين وسياسيين، بل أنهم أعلنوا عن تدريبات في مدينة عسقلان تحاكي احتلال غزة، وقد اختاروا هذا التوقيت المتزامن مع الحملة على الإخوان في المنطقة العربية لضمان تأييد أقل لحماس، لكن القضية ليست قضية حماس أوالإخوان إنما هي قضية شعب يباد.
من المؤكد أن المقاومة اخذت التهديد باجتياح غزة مأخذ الجد واستعدت له مستنفرة كل قواتها، فالعدو يهدف، إضافة إلى قتل الفلسطينيين، القضاء على قياداتها بالكامل وتدمير مخازن أسلحتها، ومع أنها لا تستطيع مجاراة عدوها من حيث التسليح إلا أن هناك جملة من الحقائق أهمها؛ أنها غير مرتبكة وتتصرف برباطة جأش، وأن كثافة صواريخها تنبئ عن ضخامة المخزون، كما أن الحاضنة الشعبية لها كبيرة، وأنها تراهن على الصمود الذي يعد بحد ذاته نصراً.
بالنسبة للكيان الصهيوني فقصف وتدمير الأهداف المدنية لا يعد إنجازاً عسكرياً ما لم تستسلم المقاومة، وهذا لن يحصل، لأن الفلسطينيين يولدون ويتربون ويموتون عليها، وإذا ما أقدمت على الاجتياح البري فلن يكون ذلك نزهة كالقصف بالطائرات وإطلاق الصواريخ والمدفعية التي يحاكي فيها جنود الاحتلال ألعاب البلاي ستيشن، فتقدمهم في المدينة من بناية لأخرى سيكون وقوده الدم الصهيوني وطريقه معبد بجثث الأبرياء، ودخولهم المدينة يمر بطريق القنص والعبوات الناسفة والاستشهاديين، كل ذلك ليصلوا إلى مدينة تحول شعبها إلى أفراد مقاومة، لذا فمن المرجح أن يتبعوا سياسة الأرض المحروقة واستخدام الأسلحة المحرمة، وليس هناك ما يدل على أنها ستكون ناجحة.
هناك عدم تكافؤ في الأفراد بين الطرفين نفسياً؛ فجيش الاحتلال يدرك أنه غازٍ محتل، والفلسطيني يؤمن أنه صاحب الأرض، واجتياح غزة يشبه العاصفة على الرمال المتحركة، فالرمال ربما تغوص وربما ترتفع لكنها باقية لا تتغير.
بقلم: د. فراس الزوبعي