عجوز كردية من «كوباني» أو عين العرب، تغلق باب منزلها بعد سيطرة داعش على قريتها، بجانبها ثلاثة مقاتلين من داعش أحدهم يضع أغراضها في كيس كبير، والآخر يتكلم أمام الكاميرا ويقول تركها أولادها وفروا، ونحن نقوم على خدمتها ونعد لها الطعام منذ ثلاثة أيام وها نحن نوصلها إلى قرية قريبة، بينما تقول لهم العجوز لا تفتحوا باب منزلي بعدي وهم يضحكون، ثم يذهب أحدهم ويركب دراجة نارية حاملاً العجوز خلفه منطلقاً بها، لتعود الكاميرا من جديد إلى الشخص الأول فيقول: «سبحان الله يقولون عنا إننا نقتل المسلمين، وها نحن أمامكم نخدم هذه العجوز ونحن لا نعرف دينها أصلاً، وتأمرنا بعدم فتح باب منزلها ونحن لا نفتح المنازل».
هذه إذاً السياسة الإعلامية الجديدة للدولة الإسلامية «داعش» الابتعاد عن عرض صور قطع الرؤوس والذبح، وتصوير أشلاء القتلى في المواقع التي تسيطر عليها بعد قتال، وحل محلها صور ومشاهد إنسانية، أما المعسكرات والأماكن التي تنجح في السيطرة عليها فبدأت تظهر نظيفة من الدم والأشلاء؛ في الواقع هذه السياسة الجديدة تحمل في طياتها رسالة تخاطب العرب السنة تحديداً، لأن «داعش» تتحرك في مناطقهم فقط، وتدفعهم للقبول بها أو تعمل على تحييدهم لاسيما وأن الحكومة العراقية بطائفيتها أوصلت العرب السنة إلى مرحلة السكوت عن أي بديل لها والقبول بأي وضع حتى ولو كان «داعش»، ليس حباً بها ولكنهم يعتبرون ذلك أهون من العيش تحت وطأة الحكومة، هذا بالإضافة إلى أنها حققت سمعة كبيرة في البطش والرهبة في الفترات الماضية فيمكنها الانتقال لوضع انطباع آخر، لكن على الأرض لم يتغير شيء في الأفعال، فهناك قتل واعتقال وتهديم للمنازل بشكل يومي في الأماكن التي يسيطرون عليها شمال بغداد وغربها.
في المقابل الميليشيات الشيعية غيرت هي الأخرى من سياستها الإعلامية منذ أسابيع؛ فبعد أن كانت تقتل بالجملة في الأعوام 2006 وما بعدها وتمثل بالجثث بطرق بشعة وتتفنن بطرق القتل ثم تلقي الجثث في مكبات النفايات وتدفن في مقابر جماعية، وكل ذلك بدون نشر الصور والأفلام التي نجدها اليوم توثق جرائمها وتذبح بطريقة أعنف من «داعش»، فتسحل الجثث وتحرص على نشر هذه المقاطع، والهدف من ذلك واضح وهو إظهار القوة والإرهاب لتهجير العرب السنة من مناطق بغداد وحزامها، وهذا طبعاً له تأثير آخر لأنهم ليس باستطاعتهم تصفية بغداد ومحيطها من أهلها بالكامل في فترة وجيزة والأحداث تتسارع وأفعالهم هذه ستجعل الناس المغلوب على أمرهم يقفون على الحياد من داعش.
التغيير الحاصل في السياسة الإعلامية لداعش يبين أن لها خبرات إعلامية كبيرة لا يستهان بها، توظف هذه الخبرات لتحقيق أهدافها في التوقيت المناسب.
بقلم: د. فراس الزوبعي