الحرب الباردة على الأبواب

أطلق مصطلح الحرب الباردة في السابق على حالة الصراع والتوتر والتنافس بين القطبين العالميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهما، خلال الفترة الممتدة من منتصف الأربعينيات وحتى بداية التسعينيات، اتسمت وقتها العلاقة بين القوتين بالندية في كل شيء، خصوصاً في قضايا الصناعات العسكرية وأبحاث الفضاء وعقد التحالفات الدولية، وخاض كل منهما معارك مع الآخر عن طريق وسيط، كما حصل في حرب أفغانستان التي قاتل فيها المسلمون الاتحاد السوفيتي مع أنها كانت حرباً أمريكية سوفيتية بامتياز، إلا أن الحرب الباردة هذه انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لتبقى الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة في العالم، وليتغير النظام العالمي ليدار بالقطب الواحد بدل القطبين.
نحن اليوم على أبواب حرب باردة جديدة بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا من جهة أخرى، وقد توقع حدوثها قريباً ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفيتي، بل ذكر أنها اندلعت بالفعل على رأي البعض، معتبراً أن أمريكا سببها لأنها تعيش نشوة النصر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتتصرف على أساسها.
والواقع يؤكد ما ذهب إليه الرئيس السوفيتي السابق، فأمريكا بعد الحرب الباردة كشرت عن أنيابها، وبدل أن تدير العالم على أسس العدل التي تدعي، تحولت إلى «بلطجي» كبير يغزو ويسرق ويحتل ويرهب العالم تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وسيطرت على العديد من الدول التي كانت مع المعسكر الاشتراكي في السابق، وحتى تلك التي كانت ضمن حركة عدم الانحياز، أما إرهاصات هذه الحرب فقد بدأت منذ فترة وتطورت بعد مشكلة أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ثم التحالف الدولي الذي عقدته أمريكا لحرب «داعش»، والذي ربما ستكون دوله المتحالفة مع أمريكا جزء من معسكرها في حربها الباردة القادمة.
بالنسبة لروسيا نقطة ضعفها الاقتصاد؛ لذلك توجهت مؤخراً إلى الصين ذلك العملاق الكبير ليكون الساند لها من خلال تسويق منتجات الطاقة الروسية له، فقد وقع الرئيس الروسي هذا الأسبوع 17 اتفاقية عمل ثنائي وشراكة مع الصين خلال زيارة عمل إلى الأخيرة، ومن خلال جملة الاتفاقيات هذه يعتزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيادة حجم الحسابات التجارية مع الصين باليوان والروبل في تجارة موارد الطاقة، أي أنهما سيعتمدان العملة المحلية، كذلك من ضمن الاتفاقيات التي وقعها اتفاقية تعديل بند توريد النفط إلى الصين بشكل مؤقت للأعوام 2015-2017 وستتمكن بموجبها روسيا من تصدير 5 مليون طن إضافية سنوياً إلى الصين، واتفاقية أخرى تتيح لروسيا تصدير 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى الصين خلال ثلاثين عام، كذلك نوه بوتين بأن روسيا ستسمح للصين بالمشاركة في مشاريع روسية كبرى لاستخراج الخامات في روسيا وخصوصاً في الشرق الروسي، كل هذه إجراءات روسية لمواجهة الحرب الباردة المحتملة، لكن إفرازات هذه الحرب ربما لن تكون كسابقتها وقد تتطور لتنتهي بحرب نووية كما يتوقع بعض الخبراء.

بقلم: د. فراس الزوبعي