على الرغم من كل التقارير التي حصلت عليها الإدارة الأمريكية قبل أشهر، والتي أكدت أن الوضع في العراق ما كان ليصل إلى ما وصل إليه اليوم لولا الطائفية التي تعامل بها المالكي والأحزاب الشيعية التي تشاركه الحكم، مع العرب السنة وتهميشهم وإقصائهم والتنكيل بهم، وأن أي علاج للمشكلة في العراق لا بد أن يبدأ بإرجاع الحقوق لهم وإطلاق سراح عشرات الآلاف من أبنائهم المعتقلين في السجون وإشراكهم في كل مفاصل الحياة بما يتناسب ونسبتهم الحقيقية، وإصلاح الوضع الذي تسببت به أمريكا نفسها عندما سلمت العراق لإيران وأتباعها على حساب نصف سكانه، إلا أنه على أرض الواقع لم تقدم أمريكا غير التصريحات ولم يتغير شيء حتى بعد إزاحة المالكي.
لكن مؤخراً حصل التغيير الذي تنشده أمريكا التي اعتبرت على لسان وزير دفاعها «تشاك هيغل» أن فصل وإعفاء 32 ضابطاً عسكرياً من مناصبهم، تقارباً تجريه حكومة العبادي مع العرب السنة، وزاد على ذلك بقوله إنها تغييرات جوهرية وإن ذلك انفتاحاً على العرب السنة، هذا الخبر يبدو لمن يسمعه أن العبادي أجرى عملية توازن في وزارة الدفاع التي تتألف بالكامل تقريباً من الشيعة وميليشياتهم التي دمجت بالجيش، فأبدل 32 من كبار الضباط الشيعة بآخرين من السنة، لكن من يطلع على الأسماء يعرف جيداً أنه أبدل هؤلاء بآخرين من الشيعة أيضاً، فأي تقارب قد يحصل بين حكومة العبادي والعرب السنة بناء على هذه التغييرات؟ وبأي منظار رأى وزير الدفاع الأمريكي هذا التقارب؟
الواقع أن أمريكا لا تريد أن يرفع الظلم عن العرب السنة لأن ذلك سيؤدي إلى استقرار العراق وهذا ما لا تريده، وبدلاً من ذلك نجدها تلجأ إلى إعادة إنتاج مشروع الصحوات من جديد، لم لا وهو مشروع تاريخي نجح معها في حربها الداخلية مع قبائل الأباتشي وطبقته في العراق عام 2007، واليوم تحاول إعادته من جديد من خلال ثمانية شخصيات قبلية ذهبوا لأمريكا للاتفاق والحصول على التمويل اللازم لتجنيد مقاتلين سنة يقاتلون الدولة الإسلامية «داعش» إلى جانب الميليشيات الشيعية، وبذلك تطول مدة الصراع ويشتعل العراق بحرب كبيرة تدار بالوكالة وتدخل الأطراف السنية بحرب ليست حربها.
التغييرات التي أجراها العبادي لا شأن لها بالعرب السنة وهي ليست أكثر من تصفية حسابات شيعية شيعية والتخلص من ولاءات أوجدها المالكي لصالحه في المؤسسة العسكرية، ولن تؤثر في واقع العراق ولا يمكن اعتبارها صفحة جديدة في التعامل مع شركاء الوطن.
بقلم: د. فراس الزوبعي