الإسلاميون وفلسفة الخسارة

نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في تونس قبل أيام أظهرت تراجع الإسلاميين الممثلين بحركة النهضة التي يقودها راشد الغنوشي أمام تحالف نداء تونس، فحلوا بالمرتبة الثانية بعدما كانوا في المرتبة الأولى، وهذه ولا شك خسارة لهذه الحركة.
ليست هنا المشكلة فالخسارة واردة كما التقدم؛ لكن المشكلة عندما تفلسف هذه الخسارة وتسوق على أنها انتصار، فقبل إعلان النتائج الرسمية بدأ الكتاب الإسلاميون يصورون رئيس الحزب النهضة على أنه المدرب الذي يدير المباراة بعقلية المحترف وهو جالس في مكانه مختاراً أن يكون في المرتبة الثانية بدلاً من الأولى ليستريح من أعباء حكم دولة نامية مثل تونس، ومفضلاً أن يتحكم بالمشهد بدلاً من أن يكون الحاكم، متخلصاً بذلك من الملامة التي يلقيها الشعب على الحاكم وحزبه في حال الفشل، كذلك صوروا اختياره التراجع والخسارة على أنه منح فرصة لنوابه للتدرب والتعلم والاستفادة من التجربة، هذا بالإضافة إلى إعطاء الجمهور انطباعاً بأن النهضة لا ترغب في السلطة رغبتها في الإصلاح، ثم ذهبوا إلى أن نتائج الانتخابات ستعطي فرصة لطهي العقلية الإسلامية على نار سياسية هادئة بعيداً عن لهب وشرر ونار الحكم، معتبرين بذلك أن النتائج جاءت باختيار وتدبير حركة النهضة وذلك من احترافها السياسي.
فلسفة الأمور بهذه الطريقة مشكلة بعض الإسلاميين حتى في قراءتهم للتاريخ؛ فبعضهم لا يقبل أن يتحدث عن معركة أحد بوصفها خسارة للمسلمين ويؤكد أنها كانت نصراً، والواقع أن المسلمين تكبدوا في أحد خسائر فادحة وأن الله عز وجل جعل في الكون سنناً وقوانين لا تحابي المسلمين على حساب غيرهم، ومنها ما حصل في معركة أحد نتيجة لأخطاء معروفة كان لا بد للمسلمين من مراجعتها بعد المعركة، وفلسفة ما حصل للإسلاميين في تونس بهذه الطريقة يعد مشكلة لأن الحديث عن الدولة النامية ومشاكلها يعني اعترافاً بعدم قدرتهم على حكم دولة مثل تونس، كذلك الحديث عن منح فرصة الاستراحة للنواب الإسلاميين للتعلم والتدرب يعني أنهم رشحوا أشخاص لم يكونوا أكفاء وغير محترفين وأرادوا قيادة البلد بهم.
أما مسألة إعطاء انطباع عن حركة النهضة أنها غير راغبة في السلطة فهذا صعب القبول به، لأنها دخلت لأجل ذلك أصلاً، ولا أدري كيف اختاروا أن يكونوا في المرتبة الثانية، فهذه انتخابات من يتحكم بنتائجها الناخب وليس المرشح، فكان الأولى أن يطالب أنصار هذه الحركة بإجراء مراجعة ليعرفوا لماذا صوت كثير من الناس لصالح غيرهم بعدما صوت لهم في السابق ليصلحوا ما بهم.
ربما كان السيد الغنوشي أكثر واقعية وصدقاً مع نفسه وجمهوره عندما صرح في حوار تلفزيوني قائلاً إن نتيجة الانتخابات لم تسره وأنه كان يأمل أن يتصدر المشهد وأن هذا التراجع لم يكن متوقعاً، أما بخصوص الحكم فقد قالها صراحة إذا دعينا للحكم سننظر في المسألة بجدية وإيجابية، فكيف سيكون ذلك والعقلية الإسلامية لم تطهى على نار سياسية هادئة؟!.

بقلم: د. فراس الزوبعي