التنوع عندنا غير!

من الطرائف التي سمعتها قبل سنوات، محادثة دارت بين شخصين ينتمي كل منهما لطائفة تختلف عن الآخرى، فذكر الأول أن بعض علماء الغرب وضعوا تاريخاً لنهاية العالم وحددوه بالضبط، فعلق الآخر بقوله «هل أنت متأكد من التاريخ ومقتنع به؟» فقال نعم، إذن نحن بعدكم بيوم!
هكذا هو الحال في كثير من الدول العربية التي تتميز بالتنوع العرقي والديني والفكري، ومع هذا الحال يبرز سؤال مهم، هل التنوع سبب للتميز أم سبب للتأخر والتخلف؟
الإجابة على هذا السؤال تجعلنا أمام واقعين مختلفين أحدهما الدول المتقدمة في العالم الغربي والتي أسهم التنوع بتقدمها وتطورها بشكل كبير، والثاني الدول المتأخرة والتي باتت متخلفة قياساً بوضع الدول المتقدمة والتي أسهم التنوع بتخلفها ووضع العصا في عجلة تقدمها، مع أنها في الغالب دول ورثت حضارات عريقة وكبيرة والتنوع الحاصل فيها هو نتاج هذه الحضارات، وبدل أن يحافظ التنوع فيها على هذه الحضارات أو أن ينتج حضارة جديدة كما يحصل في أمريكا المتنوعة في كل شيء بعد أن لم يكن فيها حضارة، القضية تعود لطريقة ومنهجية التفكير والتعايش المشترك.
ليس شرطاً أن تكون هناك مودة بين أفراد المجتمع المتنوع، لينهضوا بأنفسهم، لكن لابد من التعايش وقبول الآخر وتبادل الأفكار، وهذا ما يحصل في الغرب، مع أن التعصب والاعتزاز بالهوية موجود عندهم، إلا أن هناك دوماً فرصة للنقاش والحوار يستمع كل طرف فيها للآخر وتنتهي بقبول الرأي الذي ترافقه الحجة، كذلك فإن النقاش يبنى على معرفة واطلاع، ولا يقصد منه إلغاء الآخر وشطبه، لذلك من الطبيعي جداً أن تكون النتيجة تقدماً وتميزاً.
أما ما يجري في العالم العربي المتنوع أمر مختلف، فالاعتزاز بالهوية يعني التعصب من نوع أكون ولا يكون غيري، حتى النقاش يتصدر له حتى من يعرف طرفاً من المسألة فقط ويناقش فيما لا يفقه، والاستماع للمحاور لا يكون لتقتنع بما يقول أو تقنعه، ولكن تستمع لتنتظر دورك في الكلام، حتى وصلنا إلى مرحلة لا يمكن أن ينتهي النقاش إلا إذا قال أحدهم للآخر «أنت صح» ليتخلص منه ومن نقاشه، ومع أننا في ظل هذا الواقع من التنوع لا نملك إلا القبول بالتعايش، نجد أن التعايش أصبح أمراً بعيد المنال خصوصاً في تلك الدول التي حدث فيها شرخ كبير كالعراق وسوريا ولبنان، فهل سيعي من لم يصل به الحال إلى ما وصلت إليه هذه الدول أن القبول بالتعايش أمر لابد منه لتسير الحياة أم سيخوض تجربة الفشل ليتعلم بالتجربة؟
التنوع في عالمنا العربي غير، وقد بات سبباً للتخلف والتأخر، والمشكلة ليست في التنوع نفسه إنما في التعصب الأعمى الذي يقف خلفه.

بقلم: د. فراس الزوبعي