من أفضل اللقطات التي وثقها المصورون، صورة لثعبان نصفه في الماء ونصفه الآخر في الهواء وفي فمه سمكة يسبح بها إلى الشاطئ، هذه الصورة انتشرت مؤخراً في وسائل التواصل الاجتماعي بعدما وضع عليها أحد المخادعين المستهزئين عبارة «سبحان الله.. انظروا ثعبان ينقذ السمكة من الغرق»، ومن نشر الصورة وأكسبها شهرة أولئك السذج الذين صدقوا ما كتب عليها ولم يكلفوا أنفسهم رؤية الصورة على طبيعتها، فالثعبان بحث عن فريسته والتقطتها من الماء بيئتها الطبيعية، وهو في طريقه لابتلاعها.
هذه الصورة ومحتواها تطابق الواقع الحالي في العراق الذي تحاول فيه الحكومة لعب دور المخادع الذي يريد إقناع الناس أن فتوى المرجع الشيعي الإيراني علي السيستاني والتي أنتجت جيش الحشد الشعبي «جحش» هي الفتوى التي أنقذت العراق، بما فيه العرب السنة، من الإرهاب، وأنها جعلت الناس بين معسكرين؛ فإما أن تكون مع الفرس وطموحاتهم تحت عنوان «محاربة الإرهاب» وإما أن تكون مع «داعش» ولا معسكر غيرهما، ومن خلال السذج وأتباع إيران ينشرون هذه الصورة كما انتشرت صورة الثعبان، مع أن الصورة الحقيقية واضحة وضوح الشمس ولا يمكن لعاقل إلا أن يراها كما هي، فبفتوى السيستاني تشكلت أقذر ميليشيا عرفها العراق تقتل وتسرق وتحرق وتفجر وتغتصب في مناطق العرب السنة لا يدفعها لذلك إلا الحقد الطائفي وطموحات ومخططات الفرس.
ليس مهماً توصيف الحال في العراق فهو معروف للجميع، المهم لماذا في هذا التوقيت نشطت الحكومة العراقية في نشر هذه الصورة عن ميليشيا الحشد الشعبي والسيستاني والتي لا تنطلي إلا على السذج، لدرجة أن العبادي يثمن قبل يومين فتوى السيستاني «للجهاد» مع أنها قديمة مر عليها وقت طويل؟
الواقع أن هذا التحرك من جانب الحكومة العراقية ومن خلفها إيران جاء كرد فعل على تحرك سبقه من أمريكا التي بدأت الحديث عن جرائم ميليشيا الحشد الشعبي، سواء بشكل مباشر أو عن طريق المنظمات، ومع أن أمريكا نفسها قد ساهمت في انتشار هذه الميليشيا عندما سكتت عنها بداية تأسيسها لتقوى بعد ذلك، لكن هكذا هي سياسة أمريكا في التعامل مع الجماعات المسلحة تتركها لتتقوى لتساهم في تنفيذ مصالح مشتركة، حتى إذا بلغت من القوة ما جعلها تمسك الأرض وتشكل خطراً على مصالحهم بدؤوا عملية تحجيم دورها وإضعافها، ولهذا شواهد فما فعلته مع تنظيم القاعدة وجيش المهدي سنة 2007 عندما أضعفتهم لا يخرج عن هذا السياق.
أمريكا لا تملك زمام الأمور في العراق بالكامل لكن بإمكانها تحريك العالم وتوجيه الأمور كما تريد، وبتحركاتها الأخيرة يتضح أنها تخطط لشيء بخصوص الميليشيات، وحديث الحكومة العراقية عن إنسانية ميليشيا الحشد الشعبي والمسرحيات التي إقامتها مؤخراً عندما أظهرت بعض اللقطات لأطفال ونساء من العرب السنة المهجرين وهم يهتفون «على الراس سيد علي السيستاني» ويمتدحون الحشد الشعبي الذي سيعيدهم إلى مناطقهم لا تقنع حتى من اقتنع أن الثعبان ينقذ السمكة.
بقلم: د. فراس الزوبعي