تداعيات العاصفة

من الأمثال في الموروث العربي يقولون «البدوي أخذ بثاره بعد أربعين سنة وقال تعجلت» وهو مثل يضرب على عدم تعجل العرب وحلمهم وصبرهم مع عدم تضييع حقهم، لكن يبدو أن الفرس الذين قضوا تاريخاً طويلاً مع العرب أعمتهم عنجهيتهم عن معرفتهم جيداً، فكلما سمح لهم الزمن استعلوا واعتدوا وتصوروا أنهم مهما فعلوا بالعرب فإن رد الفعل سيكون بسيطاً لا يتعدى الشكوى، وفي كل مرة يصبر العرب ويلجؤون للحكمة حتى إذا لم يبق في قوس الصبر منزع جاءهم الرد مفاجئاً.
تداعيات «عاصفة الحزم» على إيران وأذنابها في الدول العربية واضحة جداً، فأتباعها ظهر عليهم الارتباك وبدؤوا يناقضون أنفسهم، فهذا حسن نصرالله أصبح يخطب ويصرح أن إيران ليس لها سلطة عليه وعلى حزبه، مع أنه اعتبر نفسه وحزبه جنوداً في إمرة المرجعية قبل ذلك، وبدأ يتكلم عن السلام والحوار مع أن ميليشياته تقاتل إلى جانب الأسد في سوريا.
وذاك إبراهيم الجعفري وزير خارجية العراق يرعد ويزبد عندما فاجأه أحد مقدمي البرامج في مصر قبل يومين بسؤال عن موقف العراق المختلف من عاصفة الحزم رابطاً إياه بالارتباط بإيران وكذلك لأسباب طائفية، فبدأ يهذي بكلام يدل على أن الموقف ليس كما كان عليه قبل هذه الحملة، وادعى أن إيران مجرد جار كما أن السعودية وتركيا جيران، متغافلاً عن جنود الحرس الثوري وقاسم سليماني الذين يحكمون العراق، بل حتى موقف حكومته في أمريكا تزلزل بسبب السيطرة الإيرانية الكاملة على العراق.
إيران نفسها تفاجأت وأصبحت تتخبط وبدا أثر الحملة عليها، فعلى صعيد علاقاتها الخارجية استدعت القائم بأعمال السفارة التركية في طهران وأبلغته احتجاجها وأسفها إزاء تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي ظهر في برنامج تلفزيوني مطالباً إيران والجماعات الإرهابية بالانسحاب من اليمن، كما طالبت برد واضح ومقنع من تركيا، فجاءها الرد حازماً كعاصفة الحزم بإلغاء أردوغان زيارته المقررة إليها يوم الإثنين الماضي احتجاجاً على تدخلها في الشؤون العربية.
أما أكبر ما ستفعله إيران تجاه السعودية فلن يتعدى ما كانت تفعله مع العراق إبان حربها معه عام 1980 عندما كانت ترسل أتباعها المتمثلين بحزب الدعوة «الحاكم اليوم» ليضعوا متفجراً في لعبة طفل أو يفخخوا قلماً ويلقوه على الأرض لينفجر بيد من يلتقطه، أو لينفذوا عملية اغتيال هنا وهناك في محاولة لإرباك وزعزعة الأمن الداخلي، ولم تنجح فيه ولن تنجح فيه مع المملكة العربية السعودية حتى لو نفذت عملية جبانة أو اثنتين من هذا النوع، وذلك لقوة الأمن الداخلي السعودي وخبرته في السيطرة على أعمال من هذا النوع.
كل هذه التداعيات تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن الوضع العربي مع إيران بعد عاصفة الحزم لن يعود إلى سابق عهده معها.

بقلم: د. فراس الزوبعي