قبل تسع سنوات تقريباً زار وفد نيابي عراقي طهران برئاسة رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني، وقد وضع الإيرانيون لهم برنامجاً تضمن زيارة قبر الخميني، يومها كان بإمكان المشهداني رفض الزيارة أو التعلل بعدم اتساع الوقت وانشغاله بأمر آخر، لكنه وإما لكونه يريد تقديم فروض الطاعة والولاء لإيران وقائدها المقبور على أتم وجه، أو لجهله بالتعامل مع هكذا بروتوكولات وافق على الزيارة وأجبر من كان برفقته على الذهاب معه.
يقول أحد أعضاء الوفد وقفت أمام قبر الخميني وتذكرت عدوانه على العراق والشهداء الذين راحوا بسببه وما جره على المنطقة من ويلات، وبدل قراءة الفاتحة التي انشغل بها رئيس البرلمان جعلت ألعنه وأدعو عليه، وعلى كل حال من الطبيعي أن نجد وفداً من العراق المحتل يزور قبر الخميني لكن من الغريب أن يقف رئيس تركيا خاشعاً عند قبره، فهل قرأ الفاتحة أم لعنه كما فعل صاحبنا؟!
لم تختلف زيارة أردوغان لإيران هذه المرة عن زيارته المرة السابقة في يناير 2014 من حيث الأهداف والوضع العام، فالأولى كانت بهدف التوقيع على الاتفاقيات الاقتصادية وهذه كذلك، الأولى جاءت بعد توتر في العلاقات الإيرانية التركية بسبب سوريا، وهذه كذلك جاءت بعد تصريحات قوية لأردوغان بخصوص اليمن، الأولى جاءت بعدما بدأت المفاوضات النووية الإيرانية، وهذه بعد توقيع الاتفاق المبدئي عليها، قبل الزيارة الأولى قال أردوغان إنه سيبحث وضع حد للأزمة السورية واليوم الأزمة السورية لم تزدد إلا تعقيداً، وقبل الزيارة هذه المرة طالب إيران سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق واحترام سيادة هذه الدول، فبدأت زيارته بإساءة عندما تضمنت مراسم استقباله في قصر سعد آباد فريق خيالة رفع رايات حمراء كتب عليها «يا أبا عبدالله الحسين» وهي سابقة غريبة لكنها كانت رسالة لتركيا تقول إن إيران ترفع لواء الشيعة في العالم، وانتهت زيارته بزيارة قبر الخميني.
فإن كانت قضية الرايات رسالة فرضت عليه، فما بال زيارة القبر التي يمكنها الاعتذار عنها، وإن كانت هناك مصلحة من زيارة إيران فما هي المصلحة من زيارة هذا القبر وما هي الرسالة التي يريد أردوغان إيصالها؟
ليس شرطاً أن يكون أردوغان قد أدار ظهره للعرب من خلال هذه الزيارة، لأنه في النهاية يبحث عن مصالح بلاده وحسب، وقد يكون قادراً على الجميع بين النقيضين إيران والعرب، فالمصلحة تحكم مسيرته وسلوكه، لكن تبقى قضية زيارة قبر الخميني عملاً لا يمكن تبريره ولا تظهر من خلاله أي مصلحة، فهل سنجد أردوغان يوماً مستقبلاً روحاني برايات تحكي مذابح إيران في سوريا والعراق، أم هل سيضع له برنامجاً يتضمن زيارة قبر محمد الفاتح؟!
بقلم: د. فراس الزوبعي