باقري يختلف عن العم سام

علمتنا أفلام «العم سام» المليئة بأحداث الجريمة أن مشاهد السطو المسلح على البنوك، تكون مقنعة إذا احتوت على سيارة «فان» وعدد من الرجال وربما معهم نساء، يرتدون ملابس سوداء وأقنعة، ومعهم أنواع من الأسلحة والأكياس الكبيرة، ومؤخراً معهم خبير كومبيوتر وأجهزة اتصالات، ومنهم تعلم صانع الأفلام المصري متطلبات هذه المشاهد التي لا تأتي بجودة الأفلام الأمريكية لكنها مقبولة على أي حال، أما العم باقري «صانع الأفلام الإيرانية» فيبدو أنه لم يتعلم من المختصين فجاءت مشاهده المتعلقة بالسطو على البنوك رديئة وسيئة، بدليل أن من نقل إليهم خبرته حاولوا تأليف وتلفيق مشهد حي خلا من متطلبات مشاهد السطو، ثم أرادوا إقناع الناس به أنه سطو مسلح، والشاهد ما حدث في العراق الأسبوع الماضي.
روجت وسائل إعلام الحكومة العراقية وأحزابها الإيرانية قبل أيام لخبر يقول إن الشرطة العراقية أحبطت محاولة سطو مسلح على فرع مصرف الرافدين في محافظة بابل جنوب بغداد، وتمكنت من قتل أحد المهاجمين واعتقال الآخر، ثم بعد يومين انتشر تصوير لجانب من العملية فاضحاً إرهاب وطائفية الحكومة وميليشياتها، فالإرهابي المهاجم الذي تمكنت الشرطة من قتله ظهر أعزل لا يملك أي سلاح، وتبين أنه من العرب السنة المهجرين جاء إلى المصرف آملاً استلام راتبه التقاعدي، أما الإرهابي الآخر الذي تمكنوا من اعتقاله فهو ابنه البالغ من العمر ثمانية أعوام وظهر مرعوباً ينظر إلى جثة أبيه والغوغاء يحيطون به من كل جانب، فهل رأيتم من قبل من يسطو على بنك بصحبة طفله وبدون أسلحة؟
هذه الحادثة على بشاعتها إلا أنها تعد نموذجاً مصغراً لما يحدث يومياً للعرب السنة في العراق لكن دون توثيق، وإن كان الضحية هنا واحداً ففي أمثلة أخرى تباد عوائل بأكملها، والسبب هو الاستعداد النفسي والفكري للقتل عند أفراد الأمن التابعين للحكومة والميليشيات، فإن تأكد لأحدهم أن من يقف أمامه عربي سني فيستطيع خلال ثوان اتخاذ حكم الإعدام وتنفيذه، والتهمة جاهزة، إنها الإرهاب، وبعده لا عقاب ولا عتاب وقد يحصل على مكافأة أو ترقية ويكون بطلاً في أعين محبيه، لكن أحداً لم يسأل نفسه ما هي نتائج هذا العمل وكيف سينشأ طفل كالذي تعرض للحادث؟
كنا نقول إلى حد قريب إن السجون كانت مصانع التكفير، فما تعرض له بعض السجناء دفعهم للتكفير، لكننا اليوم نرى صناعاً جدداً ألا وهم أتباع إيران الذين يعيشون بيننا، فكيف سينشأ طفل شاهد قتل أبيه بهذه الطريقة، وبماذا سيحدث نفسه طوال حياته وصورته لا تفارق ناظريه، لا شك أنه سيفكر بالانتقام، فإن كان هناك إنصاف في العالم فعليه محاربة أسباب ظهور «داعش» قبل محاربة «داعش» نفسه.
إن ما يجري من إبادة للعرب السنة في العراق سيترتب عليها فاتورة كبيرة ستدفع في يوم من الأيام، ومن أراد الاعتبار فليتابع حالة الانزعاج التي تقع فيها تركيا وهي تدافع عن نفسها عندما يصف أحدهم ما حدث للأرمن قبل مائة سنة بالإبادة الجماعية، مع أن الحاكم أيامها الدولة العثمانية وما حصل كان في أحداث الحرب العالمية الأولى.

بقلم: د. فراس الزوبعي