سأبدأ بذكر قصة واقعية فيها جزء مهم للإجابة على السؤال أعلاه؛ تدور أحداث القصة في فلك شقيقين تركيين، داعبت أحلامهما حياة الغرب والهجرة إلى دوله، حالهما حال كثير من شباب المسلمين، فهاجر الأول إلى أمريكا فيما حصل الثاني على فرصة الهجرة إلى أوروبا، بعد عشرين سنة التقى الاثنان في تركيا البلد الأم. الأول ذاب كلياً في الحلم الأمريكي وأصبح جزءاً منه، بل عاد وهو أمريكي أكثر من الأمريكيين أنفسهم، أما الثاني فعاد وهو تركي أكثر من الأتراك أنفسهم، وبات تقليدياً في كل شيء، بل تمسك بقشور وآمن بخزعبلات تنسب للدين وهي جزء من الموروثات الشعبية ليس أكثر.
من الأمور التي تشغل الباحثين والمراقبين كثرة المهاجرين الغربيين إلى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والذين ينضمون إليه بصفة مقاتلين، فحسب آخر إحصائية تقريبية أعدها المركز الدولي لدراسة التطرف «ICSR» هناك 4000 مقاتل جاؤوا من دول غربية عدة، في حين كانت تقديرات سنة 2013 قد حددت عددهم بـ2000 مقاتل أي أنهم ازدادوا الضعف بعد إعلان التنظيم تحوله إلى «خلافة»، اللافت للنظر في هذه الإحصائية أن عدد المهاجرين من أمريكا، وهي قارة كبيرة، هو 100 فرد فقط، بينما توزع العدد الأكبر على دول أوروبا، فكانت حصة الأسد لفرنسا التي تدفق منها 1200 مقاتل، تليها ألمانيا وبريطانيا التي تدفق من كل منهما 500-600 مقاتل، ثم بلجيكا 440 مقاتلاً، وهولندا 200-250 مقاتلاً، والآخرون توزعوا بتفاوت بسيط على إسبانيا وفنلندا وأستراليا والسويد والنمسا وإيطاليا والنرويج وسويسرا وأيرلندا، فكيف تمكن التنظيم من جذبهم أولاً؟ ولماذا هذا التفاوت الكبير بين ما صدرته أمريكا من مقاتلين وما صدرته أوروبا؟
لقد نجح تنظيم الدولة الإسلامية في استقطاب هذه الأعداد بسبب امتلاكه جهازاً دعائياً مذهلاً، اعتمد هذا الجهاز على صورة البطش والعنف وإظهار القوة، فخاطب بهذه الصورة أحاسيس فئة ليست بالقليلة من الشباب، وأصبحت جاذبة لكل من يشعر بالكبت والغبن والاضطهاد ورفض المجتمع له، وهذا بالضبط ما يشعر به الشباب الغربي من أصول عربية ومعظم المقاتلين المهاجرين من الدول الأوروبية، ونسبة المقاتلين من كل دولة تأتي تبعاً لطريقة تعامل هذه الدول مع المهاجرين المسلمين فيها.
هذا يعيدنا إلى قصتنا؛ فالشاب الذي عاش في أوروبا عاش في بلد يصنف المهاجرين ويعزلهم في كانتونات ولا يدمجهم في المجتمع بشكل حقيقي، أما الذي عاش في أمريكا فقد عاش في بلد مهاجرين خليط من كل الديانات والأعراق يذوب المهاجر فيه، من هنا جاء الفرق في العدد، كذلك فإن الدول الأوروبية إلى فترة قريبة جداً لا تدقق في قضية تنقل رعاياها خارجها وحتى لو تم التبليغ عن أحدهم أنه مهاجر للقتال فلا تحاسبه بدون دليل دامغ، على عكس ما يحصل في أمريكا.
لذلك على الدول الأوروبية أن تدمج المهاجرين العرب في مجتمعاتها فهؤلاء لن يعودوا إلى دولهم وإن خرجوا فسيخرجون للبحث عن حلم آخر.
بقلم: د. فراس الزوبعي