إذا كانت المقولة الفرنسية «دعه يعمل.. دعه يمر»؛ قد اعتمدت كشعار أساسي للرأسمالية، وأصبحت مبدأً تم تفسيره تفسيراً انتهازياً في ما بعد ليستخدم على نطاق واسع في تبرير عمليات الفساد المالي بدعوى التخفيف من قسوة القوانين، فإن الأحزاب الطائفية الحاكمة في العراق ومن ورائها ميليشياتها الإيرانية من خلال سياستهم في التعامل مع المظاهرات الجارية في العراق هذه الأيام عدلوا على هذه المقولة لتصبح «دعه يهتف.. دعه يمر»، لتستخدم أيضاً استخداماً انتهازياً في تحقيق أغراض خارج مطالب هذه المظاهرات.
لا يخفى على المتابعين الطريقة التي تتعامل بها الحكومة العراقية مع المظاهرات التي تنحصر في مناطق الجنوب ذات الأغلبية الشيعية هذه الأيام والتي خرج أهلها احتجاجاً على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي والفساد الحكومي، فالحكومة العراقية لم تقمع هذه المظاهرات بل على العكس وفرت لها الحماية من خلال الشرطة وشاهدنا صوراً لأفراد من الشرطة يقدمون علب الماء البارد للمتظاهرين، في حين عندما خرج أهالي محافظات الغرب والوسط والشمال ذات الأغلبية السنية قبل أكثر من سنتين وتجمعوا في ساحات الاعتصام مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم وبناتهم الذين اعتقلوا ظلماً، وإيقاف عمليات الاعتقال والإبادة الطائفية الممنهجة كان تصرف الحكومة مغايراً، فقد اجتاحت دباباتها هذه الساحات وأحدثت المجازر فيها وقتلت المئات كما حصل في الحويجة والأنبار وديالى وسامراء والموصل، واتهمت هذه الساحات برفع شعارات طائفية وأنها كانت مأوى للإرهابيين، مع أن المالكي هو الذي أطلق عبارة «نحن في معسكر الحسين أمام معسكر يزيد» على هذه الساحات، في المقابل مظاهرات اليوم التي رفعت شعار «باسم الدين سرقنا اللصوص» ومع ذلك سكت عنها اللصوص، كذلك حملت شعارات واضحة وصريحة تنتقد الملالي حكام العراق الجدد، ولم تتهم بالطائفية والإرهاب، وهذا يؤكد للعالم طائفية الحكومة الحالية في العراق وازدواجيتها في التعامل.
الأهم من ذلك كله أن نعرف من الذي يقف خلف هذه التظاهرات؟ ولماذا تحصل على الدعم مع أنها تستهدف حكومة العبادي؟ ومن هو الطرف المستفيد منها داخل العراق وخارجه؟ وهل لما يجري من أحداث في الجوار العراقي له ارتباط بها؟ وإلى أين ستصل وماذا ستحقق؟ فالإجابة على هذه الأسئلة ستكشف لنا حقيقة هذه التظاهرات ومستقبل المشهد في العراق بعدها والذي سيؤثر بلاشك على محيطه العربي، ولأن المقام لا يتسع هنا للإجابة على هذه الأسئلة فسأخصص المقال القادم لها، لكن من الواضح جداً وجود أطراف وقوى تريد للمتظاهرين أن يستمروا بالمظاهرات لتحقق هذه القوى أهدافها، لذلك يتعاملون معها بمبدأ «دعه يهتف.. دعه يمر» والذي سيحقق أهدافاً لا علاقة لها بمطالب المتظاهريــن.
.. وللحديث بقية
بقلم: د. فراس الزوبعي