هناك أسئلة تدور حول التظاهرات الجارية في مناطق الجنوب العراقي ذات الأغلبية الشيعية، الإجابة عنها ستكشف حقيقة هذه التظاهرات ونتيجتها، منها من الذي يقف خلف التظاهرات؟ ولماذا تحصل على الدعم مع أنها تستهدف الحكومة؟ ومن هو الطرف المستفيد منها داخل العراق وخارجه؟ وهل أن ما يجري من أحداث في الجوار العراقي له ارتباط بها؟ وإلى أين ستصل وماذا ستحقق؟
مع أن الظاهر للعيان حتى اللحظة أن غضبة شعبية تنامت مع ارتفاع درجات الحرارة رعاها الشباب الغاضب والنشط على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت الشرارة التي أشعلت هذه التظاهرات التي وجد فيها الشباب فرصة للتعبير عن سخطهم متأثرين بالثورات التي قادها الشباب في أماكن متفرقة من العالم العربي، إلا أنه يبقى عدم توفر الكهرباء ونهب أموال البلد وارتفاع درجات الحرارة كل صيف ليس جديداً، فهو مسلسل عمره 12 سنة وليس وليد اللحظة، كذلك علينا أن لا ننسى وجود جيش إلكتروني من الميليشيات يسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق ويملك آلاف الحسابات في «فيس بوك»، الوسيلة الأكثر انتشاراً في العراق.
لكن هذا لا يعني أن المتظاهرين هم ميليشيات بل على العكس؛ فغالب من خرج هم أناس عاديون ذاقوا وبال حكومات الاحتلال في العراق كغيرهم، ولكنهم جمهور يمكن تحريكه بسهولة، ومع أن الحكومة في العراق حكومة طائفية تتحرك بأوامر إيران فإن ثقة الإيرانيين في ميليشياتهم أكبر من ثقتهم بها، ولذلك تجد الحكومة لا تستطيع مس الميليشيات ولو بكلمة، لأن الجيش والشرطة تشكل منها في الأساس. وعليه، فإن الدعم المشاهد لهذه التظاهرات وإن بدا حكومياً بواسطة الجيش والشرطة لكن حقيقته دعم من الميليشيات، وفي النهاية سيكون الطرف المستفيد منها داخلياً هو الميليشيات نفسها وخارجياً إيران التي تقف خلفها.
كل ذلك مرتبط بما يجري في محيط العراق، وخصوصاً الموقف التركي الأخير من تنظيم «داعش» وإعلانها الحرب عليه، الأمر الذي سيؤدي إلى اندفاع التنظيم إلى الداخل العراقي وقد يكون باتجاه بغداد، وفي ذلك فرصة لإيران لتستلم ميليشياتها قيادة العراق بشكل مباشر بدعوى فشل الحكومة في تحقيق مطالب الناس وحماية البلد من خطر تنظيم «داعش».
أما إلى أين ستصل هذه التظاهرات؟ فأمامها سيناريوان؛ الأول يترك المتظاهرين يهتفون حتى إذا شكلوا خطراً حقيقياً على الحكومة أفتت المرجعية الشيعية بوقف التظاهر، وعندها سيذهب كل واحد إلى بيته. الثاني أن يستمر التظاهر ويتصاعد حتى يسقط المتظاهرون الحكومة، وعندها تتسلم الميليشيات الطائفية زمام الحكم في العراق بشكل مباشر ومعلن وتحكم إيران العراق بدون وسيط، وهذا أقرب سيناريو وقد بدت بوادره من الآن بالظهور. فالأحزاب الشيعية بدأت تفضح بعضها البعض وتنشر غسيلها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتظاهرات حمل ثقيل على حكومة فاسدة ومفلسة ومنهكة. وهذا السيناريو تريده إيران أيضاً وقبلها أمريكا، لتكون في العراق قوتان متقابلتان تتطاحنان فيما بينهما، الأولى «داعش» والثانية ميليشيات إيران، عندها سيظهر للعالم بشكل واضح حقيقة العراق الحالية وهي أنه دولة الميليشيات.
بقلم: د. فراس الزوبعي