مفارقات النفط والسمك

البحر عامل مشترك بين النفط والسمك في الخليج العربي، فكلاهما يستخرج منه، وحتى النفط الذي لا يستخرج منه فإنه يصدر عن طريقه، لكن العلاقة بينها علاقة عكسية وفيها من المفارقات الكثير، يرتفع سعر النفط فينخفض سعر السمك، وينخفض سعر النفط فيرتفع سعر السمك.
في الحالة الأولى الأمر ممتاز بالنسبة لنا فالنفط مصدر دخل والسمك استهلاك غذائي، وهذا الحال يؤثر إيجاباً في المستوى المعيشي، لكن المشكلة عندما يحصل العكس كما هو الحال اليوم، فأسعار النفط انخفضت إلى ما يقارب الثلث وأسعار السمك ارتفعت إلى ما يقارب الثلاثة أضعاف حتى أصبح متوسط قيمة أربعة كيلو غرامات من السمك تساوي برميل نفط!
من المفارقات الأخرى أن البحر بحرنا والسمك سمكنا ولا نتمكن من استهلاكه بسبب سعره المرتفع فنختار مقاطعته حتى «يخيس» وينخفض سعره لنتمكن من شرائه، وفي الوقت نفسه البحر بحرنا والنفط نفطنا وليس أمامنا إلا أن نصدره بالسعر الذي يحدده العالم، «شكل العالم هو اللي مسوي على نفطنا حملة خلوه يخيس».
بالتأكيد ثقافة المقاطعة جيدة ولها أثرها ونحتاج تفعيلها مع البضائع الإيرانية وليس مع الأسماك فقط، مع أننا لم نمض في مشروع مقاطعة إلى نهايته حتى اليوم والشواهد على ذلك كثيرة أشهرها مقاطعة البضائع الدنماركية التي أخذت حيزاً واسعاً في الإعلام، ومع ذلك مشكلتنا مع السمك هينة فبإمكاننا أن «نزعل» عليه ونقاطعه، أو ننتظر حتى تتغير درجات الحرارة «فيرضى» هو عنا ويخرج إلينا من أعماق البحر أفراداً وجماعات ليقع في شباك الصيادين ويتوفر بكميات تكون سبباً في خفض سعره، والأولى أن نجد حلاً جذرياً لغلائه كل عام في هذا الموسم، ونفعل كما تفعل كثير من دول العالم من خلال تربية الأسماك في أحواض خاصة ليتوفر السمك على مدار العام وبسعر ثابت ومعقول، أما إذا بقي الحال على ما هو عليه فسنجد أنفسنا بعد مدة نطلب السمك من مواقع أمازون وعلي إكسبريس وغيرها من مواقع التجارة الإلكترونية، كما نفعل اليوم مع كثير من البضائع التي لا نستطيع تحمل أسعارها داخل البلد.
مشكلتنا الحقيقية والأكبر ليست مع السمك لكنها مع النفط، فأمريكا من غير أن تتكلم وترفع شعارات المقاطعة تمكنت من اختلاق الأزمات وصناعة الأحداث السياسية وتلاعبت بأسعار النفط حتى أوصلتها إلى مستويات متدنية تهدد اقتصاد الدول المنتجة له، وفي المقابل لا تستطيع هذه الدول فعل شيء مع أنها مالكة هذه الثروة، وليت الموضوع يقف عند هذا الحد، بل أن هذه الدول مضطرة لرفع الدعم عن المنتجات النفطية لتعوض العجز المالي الحاصل نتيجة انخفاض الأسعار فيرتفع السعر على المستهلك وهو صاحب الثروة النفطية، فهل بعد هذه المفارقات مفارقات.

بقلم: د. فراس الزوبعي